العراق في خضم اضطرابه الطائفي

العراق في خضم اضطرابه الطائفي
آخر تحديث:

بقلم: فاروق يوسف

حين فرض الأميركان النظام الطائفي على العراق لم تكن استجابتهم لمطالب أحزاب المعارضة السابقة التي أيدت مشروع الغزو ومن ثم الاحتلال إلا نوعا من الحيلة التي هدفوا من خلالها إلى رمي العراق في بئر لن يستطيع الخروج منها إلا بإرادة وطنية لن تكون جاهزة حين الطلب. فالعراقيون الذين تعرضوا لمختلف أنواع الإذلال، الداخلي والخارجي كان وعيهم الوطني قد تعرض لنوع من الضعف.

ومَن يتذكر القانون الأممي المعروف بـ“النفط مقابل الغذاء والدواء” لا بد أن يدرك أن المجتمع الدولي قد وضع كرامة الإنسان العراقي على الرف بعد أن سحق مفرداتها التي كانت يوما ما موضع اعتزاز يُضرب به المثل. لذلك لم يقاوم العراقيون المشروع الطائفي الذي سرعان ما تسرب إلى الدستور الجديد (2005) والذي نزع عن الشعب العراقي صفته العربية حين اعتبره مجموعة من المكونات التي سيتم تصريفها عن طريق دولة تُقام على المحاصصة.

كان تمثيل تلك المكونات جاهزا من خلال تلك الأحزاب التابعة لسلطة الاحتلال والتي وضع كل واحد منها واحدا من تلك المكونات تحت إبطه كما يقال. ولهذا فقد انتقلت المحاصصة من مجالها الطائفي إلى مجالها الحزبي. وهو ما دفع الأحزاب إلى الانتقال بالطائفية من مجالها السياسي الضيق إلى مجال اجتماعي أكثر سعة. وهو ما يمكن أن أسميه بـ”تطبيع الطائفية اجتماعيا” بحيث يكون العراق طائفيا، دولة وشعبا.

الولايات المتحدة لم تعد النظر في مشروعها الذي أرادت من خلاله كما يبدو تدمير العراق الذي صار في سياق توزيع المناصب القائم على المحاصصة الطائفية يدار من قبل أسوأ أبنائه وأكثرهم جهلا ولا يُنكر أن فئات عديدة من الشعب العراقي كانت قد أدركت خطورة الوضع الذي سينزلق إليه العراق في مستقبله إلا أنها لم تتمكن من مقاومة ما يجري بسبب الجحيم الذي فتحت الولايات المتحدة أبوابه بالتعاون مع عدد من جيران العراق الذين فتحوا حدودهم لتنظيمات وجماعات إرهابية جعلت من العراق ملعبا لممارسة عملياتها في القتل والخطف والنهب والتفجير تحت مسميات مختلفة.

وبالرغم من طابع الفوضى الذي غلف الوضع السياسي بسماته فقد كان الهدف من وراء إشاعة الرعب وزعزعة الأمن لا يخرج عن دائرة تكريس العوامل التي يحتاجها النظام الطائفي لتأكيد ضرورته من حيث كونه الحل الوحيد الذي يمكن من خلاله أن يتعايش العراقيون الذين يكره بعضهم البعض الآخر في سياق النظرية الأميركية. وبالرغم من أن نظام المحاصصة الطائفية أو الحزبية قد أثبت فشله في إدارة الدولة الناشئة من خلال ممثليه الأميين والجهلة وعديمي الكفاءة والموهبة الذين اختارهم الذين استلموا مناصب سيادية مهمة غير أن الولايات المتحدة لم تعد النظر في مشروعها الذي أرادت من خلاله كما يبدو تدمير العراق. فدولة العراق في سياق توزيع المناصب القائم على المحاصصة الطائفية صار يُدار من قبل أسوأ أبنائه وأكثرهم جهلا.

كانت نظرية الأغلبية الطائفية قد ألهمت رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي سياساته التي استندت إلى إلغاء وإقصاء العراقي الآخر المختلف عنه وبالأخص إذا ما كان ذلك الآخر يخوض في مسائل وطنية تتناقض مع المسألة المذهبية التي جعل منها المالكي ميزانا لقياس علاقته بالآخر فهو صاحب مقولة “نحن أصحاب الحسين وهم أصحاب يزيد”، وهو في ذلك إنما ينبش في أرض بور لا تمت بصلة إلى ما يعيشه العراقيون من واقع وكان بلدهم واقعا تحت الاحتلال. لقد سببت سياسات نوري المالكي مشكلات جوهرية كبيرة للنظام الطائفي رغبة منه في أن تحكم الأغلبية الطائفية. وهو شعار احتمى به المالكي من أجل تمرير أهدافه في إقامة دولة لا مكان لها على أرض الواقع بل هي دولة ترهن وجودها بتغييب المكونات التي هي بالنسبة إلى المالكي مجرد ركام بشري لا مكان له في النظام السياسي.

وإذا ما كان الأكراد قد أعطوا ظهورهم لبغداد بعد أن استقلوا بإقليمهم فإن العرب السنة (وهي تسمية مستعارة من الدستور الجديد) وهم الملتزمون بعراق موحد قد وجدوا أنفسهم في خندق لا يمكنهم الخروج منه إلا من خلال التسليم بدولة الطائفة الأكثر عددا. لقد انتصرت الطائفية في سياق الهيمنة الإيرانية على ما كان الأميركان قد طرحوه في سياق مشروعهم التعددي الذي كان بداية لانهيار الثوابت المجتمعية العراقية. بصريح العبارة فإن العراق وقد صار جبهة أمامية لإيران لم يعد قادرا على احتواء المكونات التي نص عليها دستوره وهو ما يعني أن الأحزاب الشيعية التي تسيطر على الحكم الآن لن يتسع خيالها لوجود دولة تقدم خدمتها للآخرين الذين تحوم حولهم الشبهات.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *