قرار المجلس الإسلامي التنسيقي الأعلى.. نقطة تحول هامة

قرار المجلس الإسلامي التنسيقي الأعلى.. نقطة تحول هامة
آخر تحديث:

في مبادرة تاريخية قل نظيرها ستكون لها بالتأكيد تداعياتها وانعكاساتها على الصراع بين العرب والأمة الإسلامية من جهة، وإيران من جهة أخرى، أصدر المجلس الإسلامي التنسيقي الأعلى في القاهرة، والمشكَّل حديثا من مرجعيات إسلامية سنية معتبرة، بيانا بمثابة فتوى ملزمة، دعا بموجبها المسلمين حكومات وشعوبا في مشارق الأرض ومغاربها للجهاد نصرة لإخوانهم المستضعفين من أبناء الشعب السوري، وبهذا ينتقل زمام المبادرة في إدارة الصراع من دوائر رسمية مغلقة إلى فضاء الشعوب المفتوح، ومن استخدام الجيوش النظامية إلى استنفار المجاهدين المتطوعين، وفي رأيي لم يعد هناك من خيار آخر بعد أن تجاوزت إيران جميع الخطوط الحمر.

ذروة التجاوزات ما صدر عن لاريجاني أخيرا، وهو القريب من الولي الفقيه، عندما توعد باحتلال الكويت كرد فعل وتعويضا عن ضياع دمشق! كما هدد بحشر العرب وانحسارهم إلى حيث كانوا – متجاهلا حقائق التاريخ والجغرافيا – في شقة من الأرض في وادي مكة!! ابتزاز استحق من الشعوب الإسلامية صفعة من خلال هذا البيان التاريخي. ورغم أنه صدر متزامنا مع مجزرة القصير، فإن واقع الحال يشير إلى كم هائل من تعديات واستفزازات من جانب إيران لم يعد السكوت عنها ممكنا أو جائزا.

البيان يشكل نقطة تحول هامة في إدارة الصراع، إذ بات صراع أمة تدافع عن عقيدة لا عن سياسة أمام سياسة عدوانية تنتحل مذهبا توظفه للسيطرة وبسط النفوذ، وأطرافه، مرجعية في قم ترسم بعنصرية إطار التكليف الشرعي لأتباعها في العالم أمام مرجعية سنية ترسم تكليفا شرعيا دفاعيا ينحصر في نصرة مستضعفين من أهل السنة أوشكت أن تسلب بلادهم بشرط أن لا يتحول تحت أي ذريعة كانت إلى عدوان على أحد.

وهكذا يكون الصراع قد تحول على أيدي ساسة إيران من صراع سياسي قومي، وهو الواقع والحقيقة حيث لا تخفي إيران أطماعها في المنطقة، إلى صراع مذهبي بداعي الدفاع عن مستضعفين شيعة يعانون من طغاة سنة! وها نحن اليوم ولأول مرة نشهد مرجعية إيرانية شيعية أمام مرجعية سنية عالمية.

إيران تدغدغ عواطف الشيعة البسطاء وتصنع فيهم ومنهم مظلومية زائفة أملا في تحريكهم ضد حكوماتهم العربية بهدف إضعافها لأغراض معلومة. وإيران تعلم قبل غيرها أنه لن يسمع أحد من الشيعة لرسالتها ولن يستجيب لها أحد فيما لو غامرت وكشفت عن مرامي أجندتها الخفية في التمدد على حساب الآخرين. إيران ستبقى مرفوضة من الشيعة العرب في اللحظة التي ستتخلى فيها عن دورها المزعوم أنها راعية التشيع في العالم والمدافعة عن المذهب إلى دولة تريد الهيمنة على دول عربية تحررت من نفوذ الإمبراطورية الفارسية بفضل الفتوحات العربية الإسلامية.

لكن من جانب آخر وهو الأهم فإن هذا البيان تضمن رسالة هي الأخطر في تصوري في ملف الصراع مع طهران، لن تخطئ مرجعية الفقيه في قم ولا رئاسة الجمهورية في طهران قراءتها والتحسب لنتائجها وتداعياتها. لقد صدر تكليف شرعي للشعوب الإسلامية للتصدي لعربدة إيران وأتباعها في سوريا والمنطقة، هم أرادوها ميليشيات وشبيحة، إذن لا بد من مواجهتها بنفرة المجاهدين لنصرة إخوانهم المستضعفين، اليوم في سوريا، وغدا في بغداد إذا ما تواصل الظلم هناك. كما أنه تحذير لمن يقف ضد إرادة الشعوب من سائر الدول والمنظمات، سوف يستجيب الملايين في مختلف الدول الإسلامية لنداء المجلس التنسيقي الإسلامي الأعلى الذي بدأت بواكيره في جنوب شرقي آسيا، حيث تقدم الآلاف في ماليزيا وإندونيسيا للتطوع للجهاد، ولذا من المتوقع أن تشهد سوريا لأول مرة طوفانا من المجاهدين يعشقون الموت كما يعشق غيرهم الحياة، من المؤمل أن يعدل من موازين القوى لصالح التغيير في سوريا، بشرط لازم ألا وهو تعاون الحكومات العربية وهي المستهدفة أصلا بالمشروع التوسعي الإيراني، بل والاتفاق بين أهل الفكر والفقه والسلطان في الأمة على رؤية موحدة ترسم طريق الخلاص؛ إذ حتى اللحظة ما زالت الحكومات تتحسس وتعاني من عقدة المجاهدين العرب الأفغان، وعلى المجلس التنسيقي الإسلامي الأعلى وقد أخذ بمبادرة تاريخية أن ينجز المهمة – حيث دعت الحاجة – باتجاه إحداث مصالحة حقيقية بين الحكام والشعوب على أساس قراءة جديدة لتحدٍّ فارسي حقيقي على الأبواب يستهدف الجميع حكاما ومحكومين. كما أن حملة علاقات عامة لا شك مطلوبة ينشط بها المجلس لشرح أبعاد هذا البيان ومضامينه إلى المجتمع الدولي، ولا سيما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بعد جولة في الدول العربية والإسلامية الفاعلة.

وفعلا بدأت تداعيات نداء المجلس الإسلامي الأعلى الإيجابية تتوالى فور تحرك الأمة، والأحداث كثيرة ومنها: الاجتماع الجماهيري الحاشد في القاهرة لنصرة الشعب السوري مساء السبت الفائت، وقرار البيت الأبيض في دعم المعارضة السورية بالسلاح، إلى خطاب نصر الله بنبرة هادئة لأول مرة، ويبقى أبرزها قرارات الرئيس المصري محمد مرسي بدعم الثورة السورية وقطع العلاقات مع النظام السوري ودعوته حزب الله للانسحاب فورا من سوريا، إضافة إلى دعوته لقمة إسلامية وعربية طارئة ودعوته مجلس الأمن إلى فرض حظر جوي فوق سوريا.

إن الصراع في سوريا مرشح لأن يتوسع ويعبر الحدود إلى العراق وغيره، إذن نحن بصدد حرب شاملة بكل المقاييس! نحن بالتأكيد لا نتمنى توسعة الصراع المسلح، فهو سيكون مكلفا للجميع، خصوصا إذا اندلع لاعتبارات دينية أو خلافات مذهبية، إذ من المتوقع أن تكون حربا من هذا النوع قاسية ومرهقة وطويلة الأمد، وسيكون الرابح في النهاية الذين يوردون السلاح والدول التي تتربص بالدول العربية الإسلامية الدوائر، وما أكثرها. والمفتاح بيد إيران، وهي تعلم ما الذي عليها فعله من أجل نزع فتيل الأزمة وإبعاد شبح الحرب. وربما باتت الفرصة مواتية بعد أن وصل حسن روحاني المحسوب على الإصلاحيين إلى الرئاسة، ونأمل أن لا يكون البرنامج الذي طرحه كان لأغراض انتخابية فحسب.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *