أرسطو: 10 مفاتيح لإعادة التفكير في الإدارة

أرسطو: 10 مفاتيح لإعادة التفكير في الإدارة
آخر تحديث:

ترجمة وتحرير: كامل عويد العامري

 

– تعلّموا كيف تصبحون أصحاب رؤى وأفكار. 

– لا تنسوا الإنسان في عملكم. 

-استمعوا إلى رغباتكم. 

– حاولوا أن تكونوا سعداء في عملكم. 

– تعلّموا كيفية التحكم في عواطفكم.

– خذوا بالمشاريع التي تستحق العناء. 

– كونوا عادلين. 

 – أحسنوا قراراتكم.

– اخلقوا جوًا وديًا من حولكم.

تلك هي وصايا أرسطو، التي أفرد الكاتب بيير دالبي لكل واحدة منها فصلا متكاملا.

والسؤال هل يمكن لفكر أرسطو أن يلقي الضوء على الحياة الإدارية؟ قد يبدو استدعاء أرسطو للتفكير في الإدارة في ثقافات مهنية متباينة غير مناسب. أولاً لأن الحياة المدنية هي التي تهم أرسطو، وليس الحياة الاقتصادية. وكتبه عن الأخلاق والسياسة موجهة في المقام الأول إلى الرجال الأحرار في المدن اليونانية. فضلا ًعن ذلك، «يشكل العمل بالنسبة لأرسطو نشاطًا وضيعا يختص بالعبيد أكثر منه بالبشر الأحرار»، كما يقول المؤلف، ويضيف في مقدمته، من الصعب تصديق أن فيلسوف القرن الرابع قبل الميلاد لديه الكثير ليعلمنا إياه من حيث الحياة المهنية، فقد تغيرت الكثير من الظروف: الثورة الصناعية، وغير اختراع الآلات أو أجهزة الكومبيوتر من علاقتنا بالعمل.. ومن ثم فإن أرسطو فيلسوف، وغالبًا ما يخضع هذا التخصص لرقابة براغماتية رواد الأعمال، ولبعد القضايا المهنية التقني: أي إفساح المجال للحلول، من دون مزيد من المفاهيم!» لكن مثل هذه الانتقادات لا تنظر إلى ما لدى المجتمعات من قواسم مشتركة من سياسية أو مهنية، فالأفراد الذين يشكلونها، يحتاجون إلى الشعور بالمسؤولية، ويريدون قواعد مشتركة تلبي معايير العدالة، ويتساءلون عن هدفها وأهدافهم، هذه القواسم المشتركة تتيح فهم طبيعة وحياة المجتمع، في المدينة أو في العمل. ومن ثم فإن أرسطو يدفع بالكاتب إلى طرح أسئلته المنتجة، وفي الوقت نفسه يقدم إجابات مفيدة. فبما يتعلق بمسألة العبودية، ليس لديه الكثير ما يقوله. تبدو عقيدته غير مقبولة بالنسبة لنا، ويبدو أن حججه تعتمد على ثقافة العبيد في عصره، وملاحظاته مشكوك فيها للغاية. هذه هي حدوده.

«هل أرسطو من زمن آخر؟ نعم. لكن يمكننا بسهولة انتقاد حقيقة أن التفكير الإداري في حد ذاته مرتبط بأسلوب سريع الزوال، وأن الاستشاريين يغيرون نماذجهم مثل قمصانهم. ومن ثم، هناك سوق للمعرفة الإدارية يتكون من «معتقدات جماعية عابرة نسبيًا […] في القوة شبه السحرية لتقنية إدارية معينة». وفي مواجهة هذا البعد السطحي والتسويقي في كثير من الأحيان للأدب الإداري، علينا أن ندرك الحاجة إلى اللجوء إلى طريقة تفكير أثبتت جدواها وستظل مثمرة لفترة طويلة مقبلة. ومن بينها طرائق سقراط وأفلاطون وأرسطو والرواقيين».

من اللافت للنظر أنه حتى الاكتشافات العلمية الكبرى، كما هو الحال في علم النفس العصبي، تحتاج إلى تفسير نتائجها، أي لتنوير ملاحظاتها من خلال المفاهيم الفلسفية. لا يكفي أن نلاحظ وجود صلة بين الدماغ والعاطفة، على سبيل المثال، ولكن من الضروري تحديد كيفية إدارة واستخدام عواطف الإنسان، وهذا السؤال الحاسم تناوله أرسطو، لا سيما في كتابه «البلاغة».

ثم يتحدث الكاتب عن نقد الفلسفة، والمعرفة غير المؤكدة والمثيرة للجدل، والتي لا يكاد المرء يرى كيف يمكن أن تنير حياتنا الشاقة. فيقتبس من برغسون: «يجب على المرء أن يفكر كرجل عمل ويتصرف كرجل فكر». ويقول الرواقيون ببعض الدعابة، يجب على المرء أن يمارس الفلسفة بالفعل لإثبات فائدتها أو عدم جدواها! بعض المعرفة أصدق وأكثر إثمارًا من غيرها، والأمر متروك لنا للبحث عنها واختبار دقتها.

لماذا أرسطو بدلاً من سقراط أو الرواقيين؟ يروي ابن سينا أنه قرأ كتابه الميتافيزيقيا أربعين مرة من دون أن يفهمه، ولكن ذات يوم، أصبح كل شيء واضحًا بعد أن قرأ شرحا للفارابي. تُظهر هذه الحكاية شيئين: أولاً، أن قراءة أرسطو غالبًا ما تبدو صعبة وأن تحليلاته يمكن أن تكون مفيدة إذا كان لدى المرء الصبر لاستيعابها.

ليس هذا بالضرورة ما نفكر فيه عن أرسطو اليوم: إنه من المعتاد أن نجد من ينتقص منه إلى حد ما. يعاب عليه «رائحة الخزانة» – تبنتها العصور الوسطى المدرسية – (أرسطو، الأعمال الكاملة، باريس، منشورات فلاماريون، باريس، 2014، ص. 21.)، والافتقار الشديد إلى التحقق العلمي في دراساته، اللجوء المفرط إلى نظرياته الميتافيزيقية، باختصار، نهج مفاهيمي للغاية… لكن يشهد على عبقريته الكثير من المفكرين العظماء والعلماء المعاصرين.

يؤكد تشارلز داروين أولاً: «لينيوس وكوفييه، كما يقول، «كانا إلهين بالنسبة لي؛ لكنهما تلميذان بسيطان مقارنة بأرسطو. أو عالم الأحياء الاسكتلندي دارسي دبليو طومسون، الذي يؤكد حول تخصصه أن «أرسطو هو من جعله علمًا». وهذا ما أكده بيير بيليجرين: «سواء أدرك علماء الأحياء لاحقًا ذلك أم لا، كان أرسطو أحدهم. وكان الفيلسوف البراغماتي سي إس بيرس يقدم ستاجيريت Stagirite على أنه “إلى حد بعيد أعظم عقل يمكن أن يقدمه التاريخ البشري” ولم يتردد هايدجر من جانبه في تصنيف مادية أرسطو على أنها “الكتاب الأساسي للفلسفة الغربية”. وأحب ماركس أرسطو لدرجة أنه ترجم جزءًا من بلاغته ويعتبره “أعظم الفلاسفة القدماء”، ويصنفه مع سبينوزا وهيجل من بين “أكثر الفلاسفة كثافة. هناك شيء رائع وجذاب في أرسطو نحتاج إلى اكتشافه”.

على الرغم من كل ذلك قد يبدو في فلسفة أرسطو الأخلاقية ما هو غير مرضٍ لنا اليوم (فكرة الشخصية الفاضلة، وفكرة المواءمة المحتملة بين دقة الفكر واستقامة الرغبة)، بالنسبة لنا، نحن الذين، في هذا القرن، نشكك في إمكانية النجاح، بشريًا أو سياسيًا، وعلى غرار ما تبناه أرسطو كأنموذج، يبدو أن العديد من الأشياء يمكن تناولها مرة أخرى من خلال فكر أرسطو.هذه هي فرضية الانطلاق التي أراد الكاتب التحقق منها، باعتبار فكر أرسطو فكرا كاشفا لما في عالمنا الراهن، باتخاذ منجزه الفكري بوصفه مرجعا والذي يظل المورد الرئيس.بالنسبة لأرسطو، الحياة البشرية ليست تحديًا لا يمكن التغلب عليه. فالسعادة يمكن الوصول إليهما في ظل ظروف معينة، فمهمة الفلسفة تتمثل في العمل على عيش أفضل، وليس فقط معرفة الحقيقة. من الواضح أن هذه الحياة الأفضل تتعلق بعملنا اليومي.كيف اختار الكاتب النصائح العشر التي كان أرسطو يقدمها لمدير اليوم؟ يرى الكاتب أنه من خلال قراءة متأنية لأرسطو كان له أن يعقد رابطة بين قدرة أرسطو في إثارة الدهشة وبين التحفيز الذي يعد موضوع نشاط العمل الرئيس.

يمكن تقديم النصائح الأربع الأولى كتوصيات إيجابية أولية. تتمثل الأولى في تنمية روح الدهشة من دون أن  تدع  للفائدة اليومية أن تهيمن عليها، ومن دون تحمل قسوة الضرورات. والثانية تشجع على أن يصبح المرء صاحب رؤية، مثل المهندس المعماري والرجل الحصيف والحكيم، ويدعونا أرسطو ثالثًا إلى أنثروبولوجيا مصالحة، فالإنسان، جسدا وروحا، حيوان وحامل للوغوس في الوقت نفسه. ومن النادر أن فكّر الفلاسفة  في وحدة كهذه إلى هذا الحد. الروح والجسد، العقل واليد، القياس المنطقي والإحساس باللمس كلها تنتمي إلى الفرد نفسه، وكل مواطن يحمل في داخله السبب الذي يجعله قادرًا على أن يصبح سيد نفسه، وأن يقوم بمساهمته التطوعية، وهذه هي النصيحة الرابعة: ضع في الاعتبار المشاعر الإنسانية من أجل إدارة وتقدير الرغبة الطوعية بشكل صحيح، والتي هي أكثر مقبولية للعقل من المشاعر الحساسة.

تتناول النصائح الست الأخرى فلسفة أرسطو العملية. فالبحث عن السعادة هو البوابة، والهدف الذي يسعى إليه الإنسان. تستند النصائح الأربع التالية إلى الفضائل التقليدية التي تمكن البشر من تحقيق ذلك: الاعتدال يهيمن على المشاعر، والقوة تحارب الصعوبات، والعدل ينظم العلاقات مع الآخرين، والحصافة تهدف إلى سلامة التصرّف حتى في أكثر الظروف تعقيدًا، أخيرًا، تختتم توصيات أرسطو بالصداقة كنوع من تتويج الإنجاز. ليخلصنا من النفعية المحيطة، والتي تمثل التيار الرئيسي للثقافة الإدارية للشركات الكبيرة، كما يشير المؤلف.

ARISTOTE:10 clés pour repenser le management

     Pierre d’Elbée- 2021 Éditions Mardaga

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *