الانتخابات العراقية القادمة وخصومها

الانتخابات العراقية القادمة وخصومها
آخر تحديث:

بقلم:ابراهيم الزبيدي

يتساءل كثيرون عن الحل، في ظل دعوات المقاطعة المتصاعدة التي تحاصر الانتخابات العراقية القادمة المفترضة.وللرد على سؤال صعبٍ من هذا النوع لا بد من الاعتراف بأن العملية السياسية، من أول تأسيسها، لا تسمح إلا بوضعٍ بائس من هذا النوع، وإلا بنتائج خائبة بهذا السوء.

فلو تأملنا خارطة الفائزين في انتخابات 2018، بغض النظر عن صحة نتائجها وسلامتها من التزوير والقهر والقمع والبيع والشراء، لأدركنا أن المطالبين بمقاطعة الانتخابات القادمة معهم حق.

فلو دققنا في نتائج انتخابات 2010 والتي قبلها 2005، لأصبح من الثابت الملموس أن الشعب العراقي لم يكن في الانتخابات السابقة، جميعها، ولم يصبح الآن، مؤهلا وقادرا على أن يفرض إرادته الحرة الوطنية الواعية وأن يُحدث التغيير المطلوب.

وقد يكون ذلك بسبب طبيعة تكوينه القومي والديني والطائفي الذي جعل منه شُللا متفرقة غير متآلفة. فليس ما يُفرح إبن النجف أو الناصرية هو نفسُه الذي يشرح قلب مواطن الموصل والرمادي، وما يُحزن المواطن في أربيل لا يعني أحدا في وسط العراق ولا في جنوبه.

وبرغم هذا الواقع التآمري المؤسَّس على الشكوك والكراهية بين زعماء الفرق السياسية المتنافسة على النفوذ فإن هناك تفاهما ثابتا وقويا على الحفاظ على جدران الاسمنت والحديد التي أقاموها حول البرلمان والحكومة، فلم يحترموا غيرها، ولا يسمحون لأحد من خارج الدائرة المغلقة باقتحامها.

والذي يظن بأنه قادر على كسرها بتقديم مرشحين معروفين بالنزاهة والخبرة والكفاءة واهمٌ ويُضّيع وقته، ويبعثر جهده، دون طائل.

فالنزاهة والخبرة والكفاءة هي التي تجعل الناخب العراقي يختار أصحابها ويدع أصحاب السلطة والمال والسلاح، أو يتمرد على فتوى مرجعية أو أوامر شيخ قبيلة.

وبصراحة، لابد من الاعتراف بأن العلة الحقيقية الوحيدة تكمن في الناخبين، قبل المرشحين. فجهل الكثيرين منهم وفقرهم يفسران إمكانية سهولة خداعهم وتضليلهم وشراء أصواتهم. فالذي أصبح يملكه السياسيون الكبار الموكلون المعتمدون من إيران والمرجعية وأمريكا وتركيا والسعودية وقطر وبريطانيا من المال والسلطة والسلاح لن يجعل مهمة التغيير ممكنة في المدى المنظور، خصوصا وأن عودة إدارة بايدن إلى الاتفاق النووي الإيراني سوف تمنح الحرس الثوري وأحزابه ومليشياته العراقية مزيدا من القوة والهيمنة والجبروت.

فمسلّحو فصائل الحشد الشعبي المرتبطة بإيران هم الضباط الكبار في الجيش وقوات الأمن، وهم المشرعون، وهم الوزراء وكبار الموظفين في مجالات الخدمة المدنية، وهم المسؤولون التنفيذيون الأقوياء في قطاع التجارة والمصارف.

كما أن شيعة إيران وسنتها وكردها، رغم كل خلافاتهم وصراعاتهم على المكاسب والمناصب والرواتب، متفاهمون، ومتفقون على احترام الحدود الفاصلة الصارمة الفاصلة بين مستعمراتهم الثلاث، شيعتستان وسنتستان وكردستان، وعدم تجاوزها، إلا عند الضرورة وبالتراضي.

أما برنامج المرشح، فليس مهما ولا ضروريا للفوز بأصوات الناخبين، ناهيك عن تاريخه ومواهبه وكفاءته ونزاهته. فكم من وزير حرامي علني ومعروف أعيد انتخابه بسهولة؟ وكم من رئيس مليشيا ضاعف أعداد ناخبيه؟

بالمقابل، كم من نائب (سابق) خسر مقعده لأنه تجرأ ذات مرة فعاب شيئا على الزعيم، أو عارضه في شيء؟

إذن فمن الطبيعي والمنطقي أن كتلاً من هذا النوع، قادتهُا بهذه الأخلاق والمفاهيم والقيم والمقاييس، لن تكون هي الحل ما دامت هي المشكلة. وليس منطقيا ولا معقولا أن ينتظر أحدٌ منها أن تتخلى عن سلطتها بسهولة، وفي انتخابات شفافة ونزيهة وعادلة، حتى لو قتلت نصف المرشحين المعارضين ونصف الناخبين.

ثم بدون قضاء عادل ومستقل وعصيّ على عبث السياسيين لن يكون هناك رادع حازم ومحايد يمنع من استغلال مؤسسات الدولة ووظائفها وأموالها في تزوير الانتخابات واحتكار الفوز فيها دون عراقيل.

كما أن مفوضيةَ انتخاباتٍ يكون تسعون بالمئة من أعضائها منتسبين لأحزاب السلطة ومليشياتها لا تصلح لقيادة انتخابات عادلة ونزيهة يراد بها ولادة دولة قانون حقيقية تحترم نفسها وشعبها وتخرج من قوائم الدول الفاشلة، دول الظلم والاغتيال والاختلاس وتزوير الشهادات.

إذن، فمهما فعل الناخب العراقي الرافض والمُنتفض والمُصر على إحداث التغيير لن يتمكن من منع نفس الوجوه التي جاءت بها الانتخابات السابقة من العودة مرة أخرى،. وإن أقصى ما قد يستطيع فعله هو إعادة تدوير الوجوه القديمة ذاتها، ومنحها الشرعية المطلوبة والقبول.

ثم ما دام الشعب العراقي غير قادر على اقتلاع العملية السياسية برمتها، وإقامة نظام سياسي جديد قائم على العدالة والديمقراطية، فإن رفضه المشاركة في الانتخابات سيكون خياره الأفضل، لأنه قد يُمهد لقيام عصيان مدني قادم، وقد يُقربه من الانتصار.

فمن المؤكد أن المقاطعة الشعبية الواسعة الفاعلة، إذا ما تحققت، سوف تساعد على إعادة بناء الإنسان العراقي الوطني المعافى من الأمراض الطائفية والعنصرية والقبلية والمناطقية التي ساعد الاحتلال الأمريكي والاحتلال الإيراني على نشرها في المجتمع العراقي لمنعه من التقدم ول‘اقته عن التحرر والانعتاق.

وأهم ما يمكن أن تحققه المقاطعة هو عدم القبول بأنصاف الحلول وعدم الاعتياد على الأمر الواقع وخراب البيوت.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *