قراءة في ظاهرة خطابات دولة القانون بقلم سعد الكناني

قراءة في ظاهرة خطابات دولة القانون بقلم  سعد الكناني
آخر تحديث:

ليست لهم وسامة أهل الفن أو السينما, وليست لهم كاريزما رجال السياسة, ليسوا شبابا في حيوية نجوم الكرة, ولم يرثوا عن آبائهم ملكة الخطابة ولا حسن البيان وطلاقة اللسان, وهم لازالوا في مناطق التردد ومع ذلك أصبحوا بعد احتلال العراق وبين ليلة وضحاها من النجوم الأوائل لشبابيك الإعلام المختلفة بعد أن تقلدوا مناصب عليا وزراء وقادة ونوابا وتجارا كبارا سباقهم هو التنافس في تفسير حقائق المشهد السياسي العراقي حسب ما مطلوب منهم وليس لأحد بالطبع أن ينكر أحاديثهم الخطابية التي لا تمت صلة بأرض الواقع كما ليس لأحد أن ينكر أيضا تفسيراتهم في معنى خرق حقوق الإنسان العراقي وفقا لما جاء بالدستور.ولا نعرف نحن في اية (خرابة عراقية) ما لم تكن الحالة الحزبية والثقافية السياسية في دولة القانون تعاني من قلق وعدم استقرار, وقد يكون ليس من حقنا إصدار أحكام قاطعة بشأن هذه الظاهرة التي هي ظاهرة لا تخص شخصا وحده وإنما تتسع أيضا لتشمل تلك الجماعة السياسية المتباينة الألوان والملابس والإكسسوارات التي توافقت من جهة على المراهنة في التمسك بالحكم بقبضة حديدية والتي تتجاذبها الاختلافات والمصالح أيضا في ما بينها من الجهة الأخرى, فنحن لا نزال في مشهد الأزمات المتصاعدة وإحداث فصول نوع جديد من الدراما السياسية التي طرأت على الواقع العراقي ما بعد الاحتلال وكان لها الفضل الذي لا ينكر في تحريك ركوده وكسر ملله ورتابته, ورغم حداثة هذه الظاهرة من حيث دراستها فإنها مع ذلك اجتذبت قراءات متعددة لها وضدها, وهو حراك آخر يحسب أيضا في ميزان حسناتها السياسية, وتسعى هذه القراءة, الأولية بطبيعة الحال للمساهمة في إثراء مثل هذه القراءات, ولكن من زوايا مغايرة في الرؤية والتحليل, قد تكون مسوغات خطاباتهم المحور الأول في هذه القراءة المنطلقة من مفهوم ( الباطنية) أي الكلام والتعهدات عكس ما تصبون إليه الائتلافات الأخرى المشتركة في العملية السياسية وقد يكون حراكهم السياسي مستمد من الاحساس العميق (بالمظلومية) أو الخوف من فقدان السلطة, وربما السبب الأول أو الوحيد الذي تستند إليه الجماعة السياسية في دولة القانون وتراهن عليه لإحداث ما عجزت هي عن تحقيقه سواء لأسباب تتعلق بأزمتها الذاتية التي غالبا ما تكابر في الاعتراف بها, أو للأسباب الموضوعية الأخرى التي تتعلق بالقيود المقننة التي ابتدعها ائتلاف دولة القانون والتي تعوّق أو تعطل التحولات الضرورية نحو الإصلاح والتغيير السياسي أو للسببين معا, ومثلما هي الحال في اللجوء للغيبيات والقوى المفارقة للواقع عند وقوع الهزائم والعجز عن مواجهة تحدياتها, لجأت دولة القانون لتوظيف جماعة متقدمة وفق (انتقاء نوعي) بما يعني بكل صراحة حاجة حزب الدعوة تحديدا لحجابات سياسية متقدمة إن صح التعبير كعامل مؤثر في معادلة الصراع السياسي داخل العراق من خلال ظهور هذه الشخصيات وإبداء آرائها وإيجاد فعل لرد فعل محسوب ومخطط له مسبقا.والحقيقة لا إصلاح ولا تغيير بما يخدم المواطن العراقي, والتاريخ العراقي حافل بهذا السياق وهناك قاسم مشترك بين متحدثيهم في إتمام وإحكام بعض النهايات لرسم الضبابية على المشهد السياسي العراقي برمته مستغلين الدستور المعطل في معظم بنوده وكذلك أدوات السلطة التنفيذية ومراكز صنع القرار في البرلمان من اجل تسويف القضايا المهمة العالقة لصالح العامل الزمني المسيطر عليه من قبلهم, هذه الشخصيات وعلى اختلافها فإن المشترك بينها هو اختلاق الأزمات لتمرير ما يمكن تمريره بمختلف الاتجاهات, لكن الأزمة الحالية كما يصفها البعض ( قضية العراقية ) وهي اكبر من ذلك لتشمل مستقبل العراق برمته سوف لن تعالج في ( مؤتمر وطني أو ملتقى وطني ) إلا بتدخل قوى خارجية لحلها, لهذا يجب طرح السؤال الأول عن طبيعة ودرجة نضج الأزمة الحالية قبل طرح السؤال عن ملاءمة دولة القانون في حلها وبقائها في منصب رئاسة مجلس الوزراء في دولة مثل العراق بوجود برلمان مسيس وغير مفعل رقابيا وخاضع لأجندات كتله السياسية, ومن هنا يرى المواطن العراقي انه لا أهمية لكل الخطابات والتصريحات لدولة القانون بشأن الإصلاح? ولمن يريد الإصلاح فعلا عليه أن يبدأ بتعديل بعض مواد الدستور (العبوات الناسفة) مع أهمية المطالب الشعبية الأخرى في مقدمتها بناء مؤسسات حقيقية وترسيخ ثقافة فصل السلطات الثلاث خصوصا القضاء إذا أردنا فعلا بناء دولة معاصرة تبرهن على أن التقدم والتنمية ورفع مستوى الدخل القومي والفردي لا يمكن إحرازها بالإصلاح الدستوري وحده أو بتوافقات سياسية شكلية, وكثيرا ما يتطلع العراقيون بإعجاب بالغ إلى نماذج التقدم التي أحرزتها الصين كبلد كبير أو ماليزيا ولكن من دون الإشارة إلى فترة حكم مهاتير محمد لماليزيا التي امتدت حوالي (22) عاما وتمكن فيها خلافا لغيره من تحويل ماليزيا من دولة زراعية تصدر المواد الأولية إلى بلد صناعي متقدم معتمدا في ذلك على أولوية الثورة التعليمية التي باتت واحدة من المداخل البديهية لإحداث هذا التقدم, ولا يعني ذلك الانحياز لهذه النماذج وحدها وعلى حساب العديد من نماذج التقدم الأخرى والتي اختارت البدء بالإصلاح الدستوري والسياسي.لكن في إطار خيارات إستراتيجية كبرى تصر على إجراء تغيير حقيقي ثقافي ومجتمعي عميق وشامل وليس مجرد (علاكه) وفق عبارات مستهلكة لا تسمن ولا تغني من جوع, ومن خلال قراءة الكثير من النخبة العراقية لا يوجد اي جدوى من الجهد المبذول لإجراء تعديلات (ديمقراطية) على الدستور العراقي إذا لم يبذل جهد أولي تنويري ثقافي ومجتمعي لتغيير مضمون الثقافة السياسية الأصولية السائدة التي تقدم (الدولة الدينية على أساس مذهبي طائفي على الدولة المدنية) والتي تخلط سيادة القانون بفوضى (إفتاء الوالي الفقيه) والتي تؤخر العقل وتقدم التخلف. في ظل غياب الأحزاب العلمانية الواعية المثقفة ومجلس برلماني معطل ومؤسسات مجتمع مدني جامدة, وقد وصل سكوتهم على زحف وغزو هذه الثقافة وتلك الأفكار السامة اختراق بعض رجال القضاة وغيرهم من أصحاب القرار التنفيذي, فقد كشف الواقع العراقي المؤسف عبر السنوات العجاف الماضية سوابق اعتدى فيها بعض القضاة على الدستور (وميزوا قرارات الاحكام وفق التصورات الدينية والمذهبية الطائفية بين المواطنين العراقيين) حسب ما تناقله بعض السادة النواب, حتى وان كانت هذه حالات نسبية فإنها في ظل السكوت عليها يمكن أن تتكاثر كالفطر في البيئة العفنة وتتحول واحدة من اخطر الظواهر التي تنخر نخاع المجتمع العراقي لأن السؤال وقتها سيكون عمّن سيحمي الحقوق الدستورية الأساسية للمواطن قبل البحث في تطوير حقوقه السياسية والديمقراطية, وربما لهذا تبدو المشكلة الحقيقية للتغيير في العراق أكثر عمقا واتساعا و تعقيدا, لأن الأزمة كما في الحكم كما في المعارضة وكما في المتهم كما في القاضي, وكما في النخبة كما هي أيضا في المجتمع, ولهذا يجب عدم اختزالها فقط في تعديل الدستور أو في استدعاء ( المنقذ أو القائد العام أو الإمام الغائب أو الموظف المرموق) هذه قراءتنا واعتقد أنها تنسجم مع المادة (38) من الدستور.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *