هل العراق دولة ضعيفة أم منهارة أم هشّة أم فاشلة؟

هل العراق دولة ضعيفة أم منهارة أم هشّة أم فاشلة؟
آخر تحديث:

بقلم:زكي رضا

كل سلطة سياسيّة يقع على عاتقها تحقيق جملة من المسائل التي تنظّم الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المجتمع، ويبقى الأمن هو العامل المهم الذي على السلطة العمل على إرسائه. فغياب الأمن لأيّ سبب كان يعني نسف كل ما تستطيع السلطة توفيره أو وفرته بالفعل.عدم قيام السلطة بواجباتها الأساسيّة في تنظيم الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بما يوفر حياة مقبولة لشعبها وفق إمكانياتها الاقتصادية والمعايير الدولية يعني فشل الدولة التي هي على رأسها.والسؤال الذي علينا طرحه في حالة العراق هو: هل العراق دولة ضعيفة لا تمتلك مصادر لتوفير خدمات لشعبها، أم دولة منهارة نتيجة انهيار مؤسساتها القائمة، أم دولة هشّة فشلت فيها السلطة في توفير الأمن ومكافحة الفقر والبطالة، أم دولة فاشلة جمعت الكثير من المفاهيم والصفات التي ذكرناها لتتربّع عليها؟

لا يوجد تعريف دقيق لمصطلح الدولة الفاشلة، فروبن دروف عرّف الدولة الفاشلة بأنها “الدولة التي تفقد الحكومة فيها إمكانيات القيام بوظائفها الأساسيّة، وهي حكومة فاقدة للشرعيّة وتعاني من انهيار اقتصادها”، (نقلا عن: عبدالسلام البغدادي – مجلة دراسات شرق أوسطية – العدد 65 – ص 35). فيما عرّف روبرت روتبيرج الدولة الفاشلة في مقال له تحت عنوان “الدولة الفاشلة في عالم الإرهاب” نُشر عام 2002 بأنّها “دولة فاقدة للشرعيّة، وتعاني من انهيار الاقتصاد في مواجهة الإرهاب، بالإضافة إلى انهيار النظم القانونية المحلية لمواجهة الجريمة والإجرام اللذين تمارسهما قوات الأمن التابعة للدولة” (نفس المصدر).

أمّا مركز أبحاث الأزمات في كلية لندن للدراسات الاقتصادية فقد عرّف الدولة الفاشلة بأنّها “حالة انهيار الدولة، أو الدولة العاجزة عن أداء وظائف التنمية وحماية أمنها وفرض سيطرتها على أراضيها وحدودها”. وهناك دراستان إحداهما لكل من جيرالد هيرمان وستيفين راتنر أشارا فيهما إلى أنّ الدولة الفاشلة هي التي “لا تستطيع أن تلعب دورا ككيان مستقل”، وأخرى لوليام زارتمان يقول فيها إنّ الدول المنهارة هي “تلك الدول التي لم تعد قادرة على القيام بوظائفها الأساسية”.

وهناك آراء أخرى لباحثين تقول إنّ الدولة الفاشلة هي التي تحكمها الميليشيات، أو تلك التي تكون عاجزة عن تحقيق الاستقرار والسلم لشعوبها نتيجة عجزها أمام قوى العنف الموازية لعنف الدولة، أو تلك التي تفقد السيطرة على أراضيها أو جزء منها، ما يعني عدم الإيفاء بالتزاماتها تجاه شعوبها وتوزيعها العادل للثروة. أو تلك التي فيها نازحون نتيجة صراعات طائفية أو عرقية أو دينية.ومثلما للزلازل مقياس ريختر لقياس شدّتها، وواط لقياس القدرة الكهربائية، هناك مقياس لقياس فشل الدول وهو مقياس الدول الفاشلة الذي يصنّف فشل الدول استنادا إلى أوضاعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية.

ومن المؤسسات التي اهتمت بتعريفات علمية للدول الفاشلة صندوق السلام وهو مؤسسة أميركية غير ربحية تأسست في واشنطن عام 1957، وقد حدّد الصندوق أربع خصائص في تعريفه للدولة الفاشلة تمثّلت في:

1 – فقدان سيطرة الدولة على أراضيها أو جزء منها، أو فقدان احتكار الاستخدام المشروع للقوة والسلطة داخل أراضيها.

2 – تآكل السلطة الشرعية إلى درجة العجز عن اتخاذ قرارات موحدة.

3 – عدم القدرة على توفير الخدمات العامة.

4 – عدم القدرة على التفاعل مع الدول الأخرى كعضو كامل العضوية في المجتمع الدولي.

ولم يكتفِ الصندوق في تعريفه للدول الفاشلة بالخصائص الأربع أعلاه، بل وضع مجموعة معايير وفق آليات علمية ومسح لعشرات الآلاف من المصادر الإخبارية وجمعها وتحليلها وتأطيرها بالنهاية في 12 مؤشرا فرعيا، هي، “الضغط الديموغرافي، اللاجئون والنازحون، انتشار الظلم، حق السفر والتنقل، الناتج الاقتصادي المتفاوت، الانحدار الاقتصادي، شرعية الحكم، الخدمات العامة، جهاز الأمن، الفصائل والطوائف المختلفة، التدخل الخارجي”. وخصّصت قيمة من صفر إلى 10 لكل مؤشر، وكلما حازت الدولة أعلى الدرجات كمعدل لقيم المؤشرات، كلما احتلت مركزا أعلى في جدول الدول الفاشلة.

لو تركنا الإشكاليّة السياسيّة بين المركز والإقليم ودور الجيش العراقي وعدم تواجده على الحدود الدوليّة بين العراق من جهة كردستان ودولتي إيران وتركيا، باعتبار قوات البشمركة جزءا من الجيش العراقي، فإنّ وجود قواعد عسكرية تركية على التراب الوطني العراقي دون اتفاقيات مبرمة بين الدولتين كالتي تنظم العلاقة بين أميركا والعراق، وفقدان الدولة والسلطة احتكارهما للقوّة نتيجة وجود قوات مسلحة رديفة لهما بل ومهددّة لهما في أحيان كثيرة كالميليشيات المتعددة، بل وحتى تهديدات قوات البشمركة بمواجهتها في مناطق معيّنة إثر أزمات سياسيّة كالتي حدثت أثناء الاستفتاء على الانفصال، نرى أنّ العراق قد حقّق النقطة الأولى من خصائص الصندوق بدرجة قريبة من العشرة، علما بأنّ النظام البعثي بعد العام 1991 يشترك مع سلطة اليوم في هذه الخصوصيّة.

لو فرضنا أنّ السلطة شرعية كونها تأتي عبر صناديق الاقتراع، فإنّ السلطة الحاليّة ليست سلطة شرعيّة كونها لم تحصل على أصوات الناخبين. وسواء كانت السلطة شرعية أم لا، فإنها عاجزة عن اتّخاذ قرارات موحدّة نتيجة فساد النخب السياسية وولاءاتها لجهات إقليمية ودولية. لذا نرى أن صراعاتها فيما بينها وهي في حالة تناسل مستمر لا تخرج عن دائرة مصالحها الحزبية والفئوية ومصالح تلك الجهات. فالسلطة على سبيل المثال عاجزة عن اتّخاذ قرار بإنشاء جيش وطني موحّد، لأنّ هذا الجيش سيهدّد حياة الميليشيات المسلحة وبالتالي يهدد مصالح القوى التي تمتلك هذه الميليشيات للاستفادة منها في مواجهة الدولة.

الفساد في العراق اليوم أمسى ثقافة حتى بين طبقات الشعب المختلفة، والسلطة التي هي أعلى هرم في الفساد وهي تبيع المناصب الإدارية والوزارات لمن يدفع أكثر كرّست الفساد في جميع مفاصل الدولة نتيجة هذه الثقافة البائسة، وعليه فإنّها غير قادرة على تقديم خدماتها لـ”شعبها”، فالرشوة والإتاوات والتهديد والابتزاز وعدم تطبيق القانون ساهمت وتساهم في منع الاستثمارات الأجنبية عدا تلك المرتبطة ببعض دول الجوار التي تمتلك أذرعا مسلحة بمعرفة الدولة نفسها.

هل العراق يعمل مع محيطه الإقليمي كعضو كامل العضوية في المجتمع الدولي؟ هل الدولة العراقية قادرة على بناء سياسات متوازنة وطبقا لمصالح شعبنا ووطننا مع إيران وتركيا والولايات المتحدة مثلا؟ هل للعراق دور في محيطه العربي والخليجي والسلطة تبني علاقاتها وفق مفاهيم طائفية؟ هذه الأسئلة بحاجة إلى إجابات لنحدد قيمة (صفر – 10) للدولة وهي تبني علاقاتها مع محيطها وفق مفهوم طائفي متسلّحة بميليشيات تملي على السلطة بقوة سلاحها شكل هذه العلاقات وعمقها.

العراق اليوم لا يمتلك نظاما اقتصاديا مؤسساتيا، ولا يمتلك نظاما مصرفيا حقيقيا، ولا يمتلك بنى تحتية ذات كفاءة عالية، ولا يمتلك مؤسسات صحية لخدمة مواطنيه، ولا يمتلك نظاما تعليميا متقدما، ولا يمتلك طاقة كهربائية كافية لتشغيل ورش أصحاب الحرف ولا نقول المصانع التي تهملها الدولة أو تلك التي باعتها بعد أن أصبحت خردة لدول الجوار، ونسب الفقر والبطالة والأميّة والجهل والجريمة فيه مرتفعة، ولا يمتلك زراعة وثروة حيوانية كافية وعليه فليس عنده اكتفاء غذائي، ويقتل ويقمع ويلاحق من يتظاهر ضد سلطة الفساد والمحاصصّة، وفيه مخيّمات لنازحين من طائفة معيّنة نتيجة حرب طائفية. السلطة في العراق غيّرت الطبيعة الديموغرافية لبعض المناطق وفق مفهوم طائفي كما مناطق حزام بغداد. في العراق هناك ميليشيات مسلحة بعلم الدولة، بل أصبحت هي الدولة بعد أن اخترقت المؤسسة السياسية لتتمثل في البرلمان والحكومة والجيش والأمن الداخلي. العراق اليوم نتيجة ضعف الحكومة وصراع الطوائف والقوميات فيما بينها حول النهب المنظّم للثروات، أصبح ونتيجة ولاءات هذه الطوائف والقوميات ساحة للتدخلات الإقليمية والدولية وفاقدا لسيادته.

لو عدنا إلى صندوق السلام وتقييم (صفر – 10)، فإنّ العراق اليوم وفي ظل سلطة الفساد والمحاصصة دولة فاشلة بنسبة عالية. ولتستعيد الدولة عافيتها فإننا بحاجة إلى دولة تستعمل عنفها في مواجهة الميليشيات المسلحة، دولة متحررّة من البعدين الطائفي والقومي، دولة قانون ومؤسسات حقيقية، وهذه الدولة هي الدولة العلمانية الديمقراطية.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *