عُقد في دولة الكويت الشقيقة المؤتمر الدولي لـ”إعادة إعمار العراق” خلال الفترة 12-14 شباط/فبراير 2018، بأمل تحقيق ثلاثة اهداف مهمة على وفق رؤية الحكومة العراقية، وهي:
** المساهمة في إعادة تأهيل البنى التحتية في عموم العراق، ** إعادة الاستقرار للمناطق المتضررة، ** وتنمية قطاع الخدمات. ويتطلب ذلك:
1.الحصول على دعم مالي من الدول المشاركة والمستعدة لدعم العراق بالمال والخبرة الفنية لإعادة إعمار العراق.
2.الحصول على ممولين ماليين يوظفون رؤوس اموالهم في إقامة المشاريع الاقتصادية التي تدخل ضمن إعادة إعمار العراق وإعادة تأهيل اقتصاده الوطني المخرب، والبالغ عددها على حسب تقدير الحكومة العراقية 157 مشروعاً.
3.الحصول على منح من منظمات دولية ومجتمع مدني لتأمين إقامة مشاريع تؤمن ما يساعد العراق في النهوض بمشاريع خدمية لصالح الطفولة والأرامل والمعوقين، نتيجة الحروب والإرهاب وسوءات السياسة العراقية.
وشارك في هذا المؤتمر، إضافة إلى العراق والكويت والأمم المتحدة والبنك الدولي نحو 70 دولة أبرزها الولايات المتحدة والسعودية وتركيا وإيران إضافة للكويت وقطر، كما ستشارك قرابة 70 منظمة إنسانية منها 30 منظمة إقليمية ودولية و25 منظمة عراقية و15 منظمة كويتية. وتتطلع الحكومة العراقية إلى حصولها على المبلغ الذي سوف تحتاجه لإعادة إعمار المناطق المخربة والذي قدر بين 88 – 100 مليار دولار أمريكي.
ورغم الصعوبة الواضحة في الوصول إلى هذا الرقم، ولاسيما موقف الولايات المتحدة التي قررت عدم تقديم أي دعم في هذا المؤتمر، بل يتطلع الرئيس الأمريكي إلى سرقة 1,5 تريليون دولار أمريكي من نفط العراق، ومع فالأمل في ان يتحقق المبلغ للمشاركة في تطلع الشعب العراقي للخلاص من عواقب الحروب الماضية والإرهاب، وكذلك من الطائفية والفساد الذي ما يزال يعم البلاد.
لقد شارك حيدر العبادي في مؤتمر دافوس بسويسرا، وشارك في مؤتمر الكويت، بأمل تنشيط المشاركة الدولية الواسعة وطرح رغبات العراق بالحصول على 88 مليار دولار امريكي تستوجبها عملية إعادة أعمار المناطق المخربة بالحروب والإرهاب وسوءات السياسة العراقية. وقدم في اللقاء كلمة تحدث فيها عن تحقيق العراق النصر على داعش وحقق الوحدة ضد من كان يراهن على الصراع المذهبي والديني والقومي والارهاب!
ومع قناعتي بضرورة دعم المؤتمر والسعي للحصول على المبلغ المنشود، رغم صعوبة ذلك، إلا إن أسئلة عادلة ومشروعة كثيرة تطرح نفسها على رئيس الوزراء العراقي تستوجب الإجابة الواقعية وليس الهروب إلى أمام في المؤتمر الدولي، الذي يعرف جميع من حضر المؤتمر، واقع العراق الراهن ومشكلاته الكبيرة والمعقدة: هل حقق العراق النصر التام على داعش وكل القوى الإرهابية؟ وهل حقق العراق الوحدة الوطنية حقاً؟ وهل تخلص العراق من النظام الطائفي الفاسد، ومن الصراعات الطائفية (المذهبية) السياسية؟ وهل توفق العراق في إيقاف الهجرة الدينية للمسيحيين والإيزيديين والصابئة المندائيين بسبب التمييز والكراهية ضدهم وضد البهائيين وغيرهم من اتباع الديانات والمذاهب الأخرى؟ وهل تمكن العراق من معالجة القضية الكردية بطريقة سلمية وعادلة، ام ما يزال رئيس الحكومة، وبعنجهية بائسة، يعاقب الشعب الكردي على ممارسته واحداً من اهم حقوقه العادلة والمشروعة؟ وهل تخلص العراق من الفساد السائد في الوطن كله، ولاسيما فساد القوى التي بيدها الحكم؟ او الخلاص من الإرهاب الذي ما يزال يحصل في عقر دار الحكومة، في العاصمة بغداد؟
كان الأجدر برئيس الوزراء ان يتحدث بالحقيقة القائمة بالعراق، وعن عدم تنفيذه لوعده بالتغيير وبالتخلص من الطائفية السياسية والمحاصصة الطائفية في الحكم، أن يتحدث بالحقائق لا بتمنيات فارغة، كان وما يزال يسعى الشعب العراقي إلى تحقيقها، بدون ان يتخذ الخطوات الضرورية لتغيير الواقع العراقي القائم.
ان العراق، يا رئيس الوزراء، جزء من هذا العالم الواحد والصغير، وشعوب العالم، وحكامها قبل غيرهم، يعرفون ما يجري بالعراق منذ 15 عاماً، ويعرفون ان العراق ما يزال يعاني من مرض الطائفية الخطير، وأن الفساد ما يزال سائداً، والفاسدين ما زالوا كثر ويقفون على رأس الاحزاب الحاكمة والحكم ودوائر الدولة ومجلس النواب والقضاء وفي القوات المسلحة وفي “الحشد الشعبي!” الرسمي وغير الرسمي (“المليشيات الطائفية المسلحة”)، ولم يسترد العراق حتى الان المبلغ الضائع الذي يتراوح بين 500-600 مليار دولار امريكي تعتبر منهوبة ومفرط بها والذين نهبوها أو أساءوا التصرف بها ما زالوا في قيادة الدولة والحزب الحاكم وفي المحافظات كلها دون استثناء. القوائم الطائفية المقيتة ما تزال تشكل غالبية القوائم والاحزاب المرشحة في الانتخابات القادمة، والنظام داعم لها وهو جزء منها، ورئيس الحكومة يشكل أحد هذه القوى المتحالفة طائفيا لخوض الانتخابات القادمة. والحكومة العراقية ما تزال راكبة بغلتها ولا تحاول حل المشكلات القائمة بالسرعة الضرورية والابتعاد عن تجويع الشعب الكردي بعدم دفع الرواتب او فتح المطارات الدولية في اربيل والسليمانية.. انها سياسة ليست فقط غير عقلانية، بل ذات طبيعة انتقامية من الشعب الكردي الذي صوت لصالح حريته واستقلاله، بغض النظر عن موقف القيادة، الذي ابتعد كثيراً عن العقلانية والتعامل على وفق الدستور العراقي، تماماً كما كان تعامل الحكومة الاتحادية السيء مع الدستور العراقي، وهو امر مرفوض تماماً ومناقض لكل اللوائح الدولية في مجال حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها. ورئيس الوزراء ذاته يتنكر لحق هذا الشعب في تقرير مصيره بنفسه وينطلق في ذلك من موقف ديني متطرف، كما هو موقف الدول الدكتاتورية في كل من تركيا وإيران وسياسة الحكم السوري الدكتاتوري، التي كانت ترفض دوماً ولسنوات طويلة منح أبناء وبنات الشعب الكردي الجنسية السورية!!
كان على رئيس الوزراء ان يكون صادقا مع نفسه والعالم، الذي لا شك يطالبه باستعادة الأموال من الفاسدين، في الوقت الذي يمد يده للحصول على منح لفقراء ومعوزي العراق، لأطفاله وارامله ومعوقيه، في وقت تمتلئ جيوب الفاسدين بالسحت الحرام بمليارات الدولارات، إنها محنة الشعب في أحزابه الاسلامية السياسية التي خذلته وسرقته بسياساتها وبالحكم الطائفي الذي لم يتخل عنه حتى رئيس الوزراء الذي ادعى إنه ضد الطائفية وضد التمييز القومي، ولكنه يمارسهما ليلاً ونهاراً وهو على رأس هذا الحكم الطائفي المقيت وفي قيادة “حزب الدعوة الإسلامية” الذي تسبب في كل ذلك لأهل العراق!!
لقد انتصر العراق على داعش عسكرياً، رغم وجود جيوب لداعش ما تزال فاعلة، ورغم وجود خلايا نائمة تضرب في بغداد بشكل خاص، إضافة إلى الفكر الداعشي الوهابي المتشددة، ما يزال فاعلاً، إضافة إلى وجود فكر شيعي مماثل في التطرف والقسوة والعنف، يتجلى في نشاط الأحزاب الإسلامية وميليشياتها الطائفية الشيعية المسلحة وفي محاولات التشريع الجعفري المتطرف كما في موضوع قانون الأحوال الشخصية على سبيل المثال لا الحصر. كما إن تكميم أفواه من يحاربون الفساد مستمر بالعراق، وأحد هذه الأمثلة الصارخة صدور حكم قضائي مجحف بحق الناشط المدني والمكافح ضد الفساد المالي والإداري السيد باسم خزعل خشان، بحبسه ست سنوات، دليل جديد على طبيعة النظام القضائي الراهن بالعراق، حيث تطالب بإلغاء هذا الحكم الجائر جميع منظمات المجتمع المدني بالعراق، كما تطالب بإصلاح القضاء العراقي وتغيير من كان على رأس القضاء في فترة حكم صدام حسين أيضا. إن الحكم والقضاء بالعراق ما يزال يُحكم بالكثير من قوانين البعث وصدام حسين الجائرة والمنافية للشرعية واللوائح الدولية في مجال حقوق الإنسان!!!