ليس هناك من خطوط بيانية واضحة تحدد مستقبل الأوضاع في العراق، مثلما لا توجد ارا دة سياسية قادرة على وقف عجلة التخوين و الحد من سقف الاتهامات المفتوحة، والتي تشتد وطأة ويخفت بريقها حسب التوافقات ، و قدرة الطرف الأقوى في لعبة جر الحبل السياسية على المطاولة والمراوغة لانهاك الأخر، لذلك يتحول ” ارهابي ” الى وجه مقبول و العكس صحيح، واتهام هذا الفريق باستغلال المنصب الحكومي لتنفيذ هذه العملية الاجرامية أو تلك ، بعد أن كان نفس الشخص، بالأمس القريب جدا، صديقا و وسيطا وموثوقا ، وهي فاجعة العراق غير القابلة للحل مع استمرار سياسة ” غطيني وأغطيك” على مراحل، ما يبرر الخلل في الأداء العام عبر تحقيق الممكن بأفدح الخسائر.
نزف دم بريء لا يتوقف، وتحذيرات رسمية من مصائب قادمة لتقويض الانتخابات، ما يشيع حالة من الأرباك للتغطية على الأزمارت الى أبعد الحدود،شركاء يصبحون أعداء، وحلفاء يتنفسون الصعداء بتضخيم الخلافات وتوسيع دائرة الأخفاقات، التي تستهدف وحدة العراقيين في الصميم، وكأنها باتت “حصان طروادة ” في دفع ثمن فاتورة الفشل والحماقات بمختلف أشكالها وعناوين القائمين عليها، ومع ذلك لم يستقل أي مسؤول، ولم يعتذر أخر عن اشاعة أجواء الحقد والضغينه من خلال طروحات طائفية أو مناطقية و حزبية، لذلك سيستمر الخلل الى أمد غير معلوم، طالما الشراكة السياسية أضحت رهينة النرجسيات القيادة في هذا الفريق أو ذاك.
كل شيء في العراق يسير بعقلية ومزاج نصف الخطوة، أو سياسية ” عبرني اليوم والله كريم غدا”، وهو فهم مغلوط تماما لأولويات ادارة الدولة بخطط مدروسة لا بردود أفعال طارئة، سببها المباشر واقع حال مرير جدا، نصف سلطة تنفيذية وتشريعية، نصف ديمقراطية و تسامح ، نصف دور سياسي و ديني، نصف الرغبة في طي صفحة الماضي، نصف الموازنة بين اختصاص المسؤول ومنصبه، نصف القدرة على معاقبة المقصرين، نصف الاستعداد لمحاربة الفاسدين، اضافة الى أنصاف كثيرة، تخص حقوق الانسان والتعايس السلمي الاجتماعي، وحدود الشراكة الوطنية، ومناكفات المزاج الشخصي التي تؤطر الأداء الرسمي.
وضمن واقع مرتبك جدا سيكون من الصعب المراهنة الايجابية على تحالفات متناقضة في الهم وادارة المسؤولية، توجهات تولد يوميا من رحم تناقضات يتم حشرها زوراا وبهتانا لتعقيد سبل حل المشكلة العراقية، التي تقترب من وقع الكارثة عندما يحسبونها طائفيا، و تتحول الى حمل وديع طالما كلما توافقوا على الأمور الثانوية، العراق يعيش مرحلة اللاوعي السياسية والشعب يدفع ثمن هذا التطاحن غير المسؤول، والذي تنقصه الكثير من أدبيات احترام الذات والمسؤولية، وهو خلل تتحمل أوزاره كل القوائم والتحالفات والكيانات، وليس في ذلك استثناء!!
خطوة الى الأمام و عشرة الى الوراء سر، راوح مكانك ، لذلك تحتقن النفوس و تتأزم الأوضاع، ويغيب الأمل في النجاح، ما يبرر انتشار الخزعبلات والتنبوءات و قراءة الكف و سبل تحقيق الأرزاق ، أنها فعلا مآساة تقليد سرعة السلحفاة في ماراثون الاصلاح السياسي في العراق، مشكلة يصعب التفكير بحلها ، طالما تواصل نفس الوجوه زحفها الى المناصب و المميزات ، وكأن التغيير غير مدرج على قائمة الأولويات، أو لأن الأهم هو تجميع الأصوات و تحقيق الممكن من نجاحات مرحلية، على ظهر بلد يمسك بخارطة التوازن الاستراتيجي الأقليمي وجناحه الدولي، ومع ذلك تعود رجالات الحكم في العراق انهاك قدراته و تشتييت دوره و العبث بأحلام شعبه وتطلعاته.
ويبدو أن هذه الحقيقة مرتبطة تاريخيا باسلوب ادارة الجمهورية العراقية، التي حتى على طريقة ترتيب حروف اسمها و ذكورية عنوانها يختلفون، لم يتم انتخاب صاحب القرار الأول في العراق ، فهو يصل الى سدة الحكم، بانقلاب عسكري أو انشقاق حزبي أو مخطط خارجي أشده وطأة الأحتلال، أذا لا علاقة للشعب بما حدث لهذه اللحظة، وليس هو من اختار هذا الزعيم أو ذاك الرئيس أو شكل المحاصصات والتوافقات اليوم، ما يعني أن الفاس وقع في الرأس ويجب تمشية الأمور، وهنا يبدأ الفصل الأخطر في المسرحية، سياسيون نصبوا أنفسهم، أو أختيروا لادارة المهمة، يدخلون على خط انتخابات تضفي عليهم شرعية و مقبولية ، يديرونها من الداخل بنفس السيناريوهات والمغريات المادية ، وأضافوا اليها اليوم المذهبية والعرقية و التوافقية، ما يفسر بشكل قاطع أسباب ارتفاع ارقام المقاعد بظروف استثنائية، لا علاقة لها بالكفاءة أو القدرة على تحمل المسؤولية، فقد بدأوا بقائمة مغلقة لم يسبق العراقيون اليها من أحد في تجربة سياسية، و مضوا في انتخاب القوائم و التعويضية والتكميلية، وغيرها من خصوصيات تجربة الدوامة العراقية، وسيتكرر الحال غدا، اذا لم يبادر الشعب الى تصحيح المسارات بطرق سلمية و احتجاجات وطنية، فمشكلة الوطن وأهلة بالقيادة لا بالخيرات أو التحديات الخارجية، لم يتعودوا التداول السلمي للسلطة عندما يكونون أصحاب زمام المبادرة، لذلك لا يوجد رئيس عراقي سابق، هناك غائب وأخر تائه وثالث مفقود!!
أليست هذه كارثة يعيدون رسم ملامحها بطرق مبتكرة، نفس الوجوه والأداء و الأهواء والمجاملات حد النفاق و عبودية الأشخاص، أشخاص يغيب الخوف على العراق ومستقبل شعبه عن ألوياتهم، بعيدا عن التحوين نسب الوطنية المئوية، و الأنكى أنهم يتحفون الشعب بعبارات منمقة لا وجود لها في عقول مردديها، ما يميط اللثام عن أسباب فشل الأداء الحكومي و منهجية نصف الخطوة، مقابل استياء شعبي من البصرة الى الموصل وأربيل والانبار مرورا بديالى و السماوة و كربلاء، وفي النهاية ان الله لا يغير مَا بِقَومٍ حتى يغيروا مَا بِأنفسهم ، الحاكم والمحكوم مطالب من خلال هذه الوصفة الآلهية بتصحيح المسارات والعودة الى جادة الصواب، ثم لماذا يرفضون خيارا كانوا من أشد المدافعين عنه قبل أن يتنعموا بالمناصب وملذات السلطة، مفارقة تبرر معركة الأنتصار لحرية العراق سلميا!!
شاكر الجبوري : [email protected]