تابعت على ( قناة الشرقية ) الحلقات الاولى من مسلسل ( الفندق ) الذي لا يمكن الحكم عليه بشكل قاطع من خلال المشاهدات الاولى .. والتي لا تحمل عادة مؤشرات النجاح او الفشل ، فالعمل الفني لا يكتمل نضًجه الا في نهاياته .. ولا يترسخ الا في افكاره.
لكن و عندما يدب الشعور بان النهايات ستظل سائبة ، والأفكار مشتتة .. والظواهر التي يعالجها المسلسل جرت على طريقة التقارير الصحفية في معالجة الظواهر الاجتماعية .. و هي ظواهر لم تكتسب بعد صفتها ( القطعية ) لتكون فعلا ظواهر مستفحلة ومؤذية ، في طباعها ونموها ، وتجذرها .. فان الحكم المؤقت قد يكون ضروريا .. في انتظار مفاجآت قد تحرك الركود في السرد الدرامي ، ليرتقي بالذائقة الجمعية الى مدايات اكثر نضوجا وإبداعا .
الظاهرة هي ( حدث ) تشكل حالة يمكن مراقبتها في تطورها وأسبابها ونتائجها .. شرط ربطها بعواملها الساسيولوجية والاقتصادية .. وحسبما ما يعتقده الفيلسوف الفرنسي المعاصر جيل ديلوز / فان الظواهر عموما لابد وان تخضع لأنساقها الفكرية وسياقاتها المعرفية .. وان الذين يشتغلون على اللغة الطبيعية العادية يمنحونها قدرات عقلية وفلسفية.. / وهنا نسال ان كان صديقنا الكاتب المبدع حامد المالكي قد انشغل واشتغل في سيناريو المعنى دون الرضوخ الى تورمات اللغة ، وهو يرسم ملامح شخوصه في حدود امكاناته وقدراته .
اعتقد.. ان اي نص لا يخضع الى فلسفة ومعاني الجمال المعرفي .. سيظل نصا خاويا لا يؤثر .. ولا يتأثر .. لا يقدم ولا يؤخر .
اعترف ..اني لم اكن يوما متحمسا بما يكفي لمتابعة المسلسلات ، باستثناء تلك التي تستحق ، بما لها من افكار خلاقة ..سواء كانت هذه المسلسلات عربية ام اجنبية .. واظن ان الانشغال و المتابعة الملحة للمسلسلات التي تخلو من نص وفكر مؤثر ، هي قتلا للوقت.. ولهذا نرى ان جل المتابعين للمسلسلات هم من ربات البيوت ، او من المراهقين الذين يبحثون عن درامة تلفزيونية تجسد حالة عاطفية ، كانوا قد مروا بها .. فيستمتعون بها ..حالهم حال الذين يشعرون بالراحة النفسية وهم يؤدون باخلاص شعائرهم الدينية .
مسلسل ( الفندق ) .. لم تجري احداثه في فندق بكيان معماري وخدمي / مما افقده عنصر المكان وأهميته لدى المشاهد .. اما نزلاء الفندق فهم خليط من طبقات مسحوقة لها من الماضي المشترك مايعزز فكرة التآلف والتعايش المتوتر ، فتكون العلاقات بينهم ملتهبة ، لكنها غير مرفوضة .
وكنت اتمنى على الصديق حامد المالكي ان تنطلق الدراما التلفزيونية من لحظة الحب التي بدأت على سطح الفندق .. نزولا الى قاع شرائح اجتماعية متناقضة ومعقدة .. والحاجة الى الغوص العميق لمعرفة اسباب التشرد ، والضياع ، والياس والجنوح الى مجتمع الجريمة..ونحن نراها ونعيشها ، والغريب ان المسلسل نقلها كما هي مقتربا من عمل الصحافة اليومية.. ولاادري ان كانت بعض المشاهد صالحة للعرض امام العائلة العراقية .
الثابت .. ان مساحة زمن الانجاز لم تكن كافية مما عزز قناعاتي .. ان هذا العمل الدرامي كان متسرعا ، ربما بسبب دخول ( MBC عراق ) على خط المنافسة في انتاج الدراما التلفزيونية.. وهنا طبعا لا نلوم مخرجا مرموقا مثل الفنان الكبير حسن حسني الذي لم يوفق ، قياسا لمستوى منجزاته السابقة .وينسحب الراي هذا على كتابة السيناريو .. وأداء الممثلين الكبار ( عزيز خيون ، ومحمود ابو العباس ، وسناء عبد الرحمن ، وسامي قفطان ، وهناء محمد ، وسنان العزاوي و علي ريسان .. وسواهم .
اخيرا .. / وفي مشهد اخر لفت انتباهي كتاب ( نهاية التاريخ والانسان الاخير ) الذي صدر في مطلع التسعينيات للكاتب الامريكي الفيلسوف فوكوياما .. لقد ظهر الفنان عزيز خيون يقلب الكتاب ، مطبوعا بحجم ( كراس ) وليس الكتاب الاصل بطبعته المعهودة .. والغريب ان لا احد قد انتبه لهذا الخطأ المؤسف .. مما يعزز الفكرة التي انطلقت منها وهي / ان العمل الدرامي برمته كان مستعجلا ومرتبكا .
قلت في البداية / انه من الصعب جدا الحكم على مسلسل كبير ومتشعب و لايزال يتحرك و بشكل يومي في حياتنا ، بمعنى اخر ، انه بلا تاريخ و من دون مخيلة .. لذا فان النهايات ، ربما ستكون مرتبطة عضويا وفنيا مع البدايات ..&