المزايدة السياسية بالتباكي على حرق القرآن والعلم العراقي

المزايدة السياسية بالتباكي على حرق القرآن والعلم العراقي
آخر تحديث:

بقلم:سمير عادل

بعيدا عن قضية حرق القرآن وحرق العلم العراقي من قبل طرف أو شخص معين في السويد، بأنها مسألة تعبر عن حرية التعبير أو انتهاك للمقدسات، وبعيدا عن أن من قام بهذا العمل هو شخص مجنون أو يبحث عن الشهرة كما يروج له الإعلام، فإن حرق السفارة السويدية في بغداد كرد فعل وانتقام لعملية الحرق، ليست له أي علاقة من قريب ولا من بعيد بالدفاع عن المقدسات، سواء كانت دينية أو قومية.فإيران قلعة الإسلام السياسي، التي أفتى زعيمها الخميني في نهاية العقد الثامن من القرن المنقضي، بهدر دم الكاتب البريطاني سلمان رشدي بسبب روايته “آيات شيطانية”، والتي (إيران) تقف أيضا خلف التحالف الميليشياتي الذي شكل حكومة السوداني، لم يكن رد فعلها مثلما حدث في العراق. كما أن السعودية التي ما زالت تتمسك بقيادتها لمشاعر المتدينين من المسلمين بسبب وجود الكعبة ومهد نزول القرآن فيها، لم تذهب أكثر من إعلان احتجاجها وغضبها بشكل دبلوماسي أمام البعثة السويدية في الرياض.

إنها المزايدة السياسية التي تقف خلف الفوضى أو الخرق الأمني كما تسميها حكومة السوداني، لتحقيق أجندات سياسية، ومحاولة لدخول كل طرف في ذلك السوق، سوق المزايدة السياسية بالدفاع عن المقدسات، لإعادة إنتاج مشهد سياسي أو رفع الستار عنه بعدما أسدل عليه منذ فشل التيار الصدري في قلب المعادلة السياسية وتشكيل حكومة أغلبية تسيطر عليه وتقصي التحالف الميليشياتي الشيعي عن السلطة، أثناء اقتحامه للمنطقة الخضراء واحتلاله للبرلمان بدعم ومساندة أو تواطؤ حكومة الكاظمي آنذاك.

وفي العراق، إذا تحدثنا عن الانتهاكات للمقدسات، فإنه تنتهك كل يوم، بل وفي كل لحظة، وفي كل شهيق وزفير، القيم الإنسانية، ويداس عليها بأحذية نفس الذين أحرقوا السفارة السويدية وعبثوا بالأمن والفوضى، أو الذين جعجعوا بالإعلام، من رئيس دولة القانون ورئيس البرلمان ورئيس التيار الصدري، حيث يعيش الآلاف من أطفالنا على التقاط طعامهم إما من المزابل وتلال النفايات، أو من التسول في شوارع المدن، أو مما يرمى لهم من فتات من قبل العصابات التي تستغلهم وتسلبهم طفولتهم. هذا ناهيك عن كل أنواع السرقات واللصوصية وأشكال الفساد التي تمارسها أطراف العملية السياسية التي شكلت الحكومات السابقة والحالية، إلى جانب عملهم الأصلي وهو العمالة لدول المنطقة، في حين يعيش أكثر من 40 في المئة من سكان العراق تحت خط الفقر، وفي بلد يشكل العاطلون عن العمل فيه جيشا عرمرما يقدر بأكثر من 12 مليون عاطل.

لقد لعب التيار الصدري دورا كبيرا في تأليب الأوضاع كالعادة، والسعي لتصدير المشهد السياسي، وهو محاولة للتذكير بأنه، أي التيار الصدري، ليس غائبا عن المشهد السياسي رغم إقصائه عن الحكومة، وأنه قادر على خلق الفوضى وخلط الأوراق وتلطيخ سمعة واعتبار الحكومة التي جاءت عن طريق غريمه من تحالف الميليشيات الموالي لإيران.

وقد دفعت حركة التيار الصدري هذه، الأطراف الأخرى مثل المالكي رئيس دولة القانون والحلبوسي رئيس البرلمان وغيرهما إلى الدخول مجبورين وليس مخيرين في ذلك السوق أي سوق المزايدة السياسية حول حرق القرآن وعلم العراق، للحيلولة دون منح فرصة مجانية للتيار الصدري بتصدر المشهد السياسي وقيادته بالدفاع عن الإسلام والوطن.وهنا لا بد من الإشارة إلى أن ما حدث في بغداد من حرق السفارة السويدية بيد ميليشيات التيار الصدري، يمزق القناع الزائف الذي حاول السوداني وحكومته الفاشلة ارتداءه، وبأنه ماض في بناء “الدولة” وبغض النظر عن المحتوى السياسي والأمني والقانوني لتلك الدولة والمشهد الذي خلقه التيار الصدري. أي بعبارة أخرى أن الاستقرار الأمني والسياسي الذي يطفو على السطح هو خداع وعبارة عن فقاعة دعائية ليس أكثر، وأن انفجارها ليس إلا مسألة وقت.

وأخيرا أن ما يضيف سخونة على سخرية المشهد الإعلامي والسياسي في العراق، هو ظهور جوقة ممن يسمون أنفسهم محللين سياسيين ورؤساء مراكز الدراسات مدفوعة الأجر من الأموال المسروقة بالانخراط في ذلك السوق، بأن دولة فاشلة مثل العراق لا تستطيع: لا حماية مواطنيها، ولا توفير لقمة عيش لائقة لهم، تصور نفسها سوبرمان أو بطل الدفاع عن مقدسات ملياري مسلم في العالم كما يدعون.وهذا يثبت بشكل قاطع أنه حيثما تسيطر الميليشيات يعم الفساد والفوضى والفقر والعوز وتغيب الدولة، بمعنى توفير الحد الأدنى للعيش الإنساني، وبالمعنى القانوني والأمني، إذ تزدهر أسواق المزايدة على المقدسات الدينية والقومية والوطنية، ويظهر أبطال ملوثون بكل أشكال الفساد، يحاولون تطهير أنفسهم عبر رفع عقيرتهم في ذلك السوق، لا للتكفير عن ذنوبهم التي لن تغتفر أبدا إلا أمام المحاكم العلنية الجماهيرية للقصاص منهم، إنما لطمس تلك الذنوب وحرف الأنظار عما اقترفوه من جرائم بحق جماهير العراق.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *