في حروب الإستنزاف ، وفي مواجهة عدو شرس ، قد تضطر الى التخلي عن أهم المعايير في قبول المقاتلين بصفوفك . هذه المقاربة تماثل الحال التي كان عليها اياد علاوي في معركته مع الطائفية السياسية كأخطر التحديات التي تعصف بمصير البلد ، فكان الحشد في مواجهتها واجبا وطنيا مقدسا قلل من خيارات الرجل في التحقق من مصاديق جميع الراغبين في التخندق معه ضدها .
في مثل هذه الظروف ، تشكل إئتلاف العراقية لخوض الإنتخابات النيابية لعام 2010 وحقق فيها المركز الأول ، إعتمادا على قبول المتحالفين بالمشروع المعلن لحركة الوفاق الوطني العراقي وزعامتها التاريخية ، بعمقهما النضالي وتوجهاتهما المدنية .
تم مصادرة إستحقاق العراقية في تشكيل الحكومة بإلتفاف على الدستور والتقاليد السياسية وبضوء من المحكمة الإتحادية . عند هذه النقطة كانت العراقية في مواجهة أطراف سياسية طامعة في السلطة ، وتحالف دولي – اقليمي لتمرير هذه الإرادة ، وقضاء مسلوب الإرادة ومتواطيء ، من جهة ، وإزاء مسؤوليتها التاريخية في الحفاظ على حقوق ناخبيها ، والدفاع عن المسار الديمقراطي ، من جهة أخرى .
ومع إشتداد المواجهة بين قوة الشرعية ، وشرعية القوة ، كانت البلاد تغرق لتسعة أشهر في فراغ دستوري وسط تحديات امنية وإقتصادية وسياسية تدفع بها الى المجهول ، وحقيقة الأمر أن التيار الوطني المدني الذي مثلته العراقية كان عاجزا عن خوض المواجهة مع قوة الدولة المختطفة ، والميليشيات المسلحة ، والنفوذ الأجنبي في البلاد ، فكان لابد من القبول بمخارج أخرى تحافظ على مكاسب الديمقراطية مقابل التنازل عن إستحقاقات انتخابية .
تم التوقيع ، بفعل الأمر الواقع الى حد ما ، على اتفاقية اربيل للشراكة الوطنية ، والتي لم تجد طريقها الى التنفيذ في إنقلاب شكل علامة فارقة في مسار النظام السياسي من ناحية ، وتوطئة لتصدع العراقية من ناحية أخرى .
بررت بعض اطراف العراقية قبولها الإستمرار في الحكومة وعدم الإنخراط في معارضة قوية دعى اليها علاوي ، بالوصول الى مكاسب محتملة ل ( طائفتها ) كذريعة للإستمرار في السلطة ، حيث لم تتحقق أي من هذه المكاسب ، وتسبب هذا القبول في مزيد من التهميش والإقصاء والإجتثاث والإعتقالات والإنتهاكات ، بينما جاهرت أطراف اخرى بتنكرها لإلتزاماتها الوطنية تحقيقا لمكاسب حزبية وشخصية خاصة ، وهو ماتجلى في التراجع عن مشروع سحب الثقة عن رئيس الحكومة .
لكن السؤال الأهم ، لماذا سكت علاوي ، الخاسر الأكبر ضمن العراقية ، عن إعلان مثل هذه الحقائق ؟ ولماذا آثر تحمل أخطاء الآخرين ممن غرقوا في مكتسبات كان علاوي ومشروعه بوابتهم اليها ؟
ربما كان شيوع ثقافة الفساد والإفساد الممهنجة قد خلطت الأوراق ( مؤقتا ) على قطاع واسع من الرأي العام ، فما عاد يميز بين السلوك السياسي ( المافيوي ) والحنكة السياسية ، وخلقت معايير خاطئة تربط حجم النجاح السياسي بمقدار المكتسبات المتحصلة بغض النظر عن شرعيتها ، وهو مالم ينزلق اليه علاوي الملتزم برسالته كأحد الآباء المؤسسين للدولة العراقية الجديدة ، فعلاوي الذي تم الإنقلاب عليه من الخصوم وبعض الشركاء لايختزل حياته السياسية ولانضاله الوطني برئاسة الحكومة ، لذا فقد رأى أن العراقية ، على واقع حالها ، شكلت تقدما في مواجهة المشروع الطائفي ، وأن هيكلها الذي أٌفرغ الكثير من روحه كان قادرا على خلق إهتزازات عنيفة في جسم البنيان الطائفي بين الحين والآخر .
ان المرحلة الجديدة للعمل السياسي لقائمة علاوي ( الوطنية ) والتي تعتبر إمتدادا لروح ( العراقية ) الحقيقية تتطلب تسليط إضاءات كاشفة على طبيعة التحديات التي واجهت المشروع الوطني ، وقبلها تطهير الوطنية من كل العوالق والرواسب والمتسللين والإنتهازيين والفاسدين والمتساقطين ، وهو ماأقدم عليه علاوي في ثورة تصحيحية ترتبط بأصالة المبادئ والثوابت ، ومرونة الإستجابة للتقدم في التغيير ، وتعظيم الكفاءات القادرة على بناء الدولة المدنية الوطنية .
إن ظاهرة اياد علاوي وشواهدها التأسيسية ، في العمل السياسي الوطني ، وبناء الدولة ، على عتبة إنطلاقة جديدة واعدة ، فكاريزما علاوي وثباته على مبادئه المعلنة كانت دائما مخيبة لخصومه وحافزا على بعث الأمل في نفوس الجماهير لمواصلة كفاحها السلمي وصولا الى دولتها المدنية العادلة .
هل كان أمام اياد علاوي خيارات اخرى ؟ … بقلم هادي والي الظالمين
آخر تحديث: