غواية الرواية

غواية الرواية
آخر تحديث:

صلاح حسن السيلاوي

بعد أن عاشت الثقافةُ العربيةُ والعراقيةُ وما زالت، غوايةَ الشعرِ، ومشت تحتَ هيمنتها. يبدو أنها بدأت تستعيدُ شيئا من التوازن بين جنسين ثقافيين مهمين هما الشعر والرواية، مع إيماني بأن المشهد الثقافي العربي سيبقى مُقادا بالشعر، ولكنَّ المهمَ في الأمر أن الرواية التي كانت هامشية في الحياة العربية، أصبحت متصدرة لدرجة أنَّ كلَّ دور النشر العربية تفضل طبعَ ونشرَ الروايات، بل دَفَعَ هذا التفضيلُ بعضَها الى دعم الرواية ورفض نشر الشعر، هذا يعني أن هنالك غواية جديدة أسميها غواية الرواية. 

ما حدث هو أن الرواية بدأت تستعيد عافيتها النوعية والكمية في العراق والعالم العربي، وهذا يشير إلى أنها انتبهت إلى إمكانية تحررها من السجن الكبير الذي استطاع الشعرُ العربي أن يضعها داخلَه، إلى جانب الأجناس الأدبية السردية الاخرى على مدى قرون 
طويلة. 
ان الحضور الذي تقدمه الرواية في المشهد الثقافي، لا يمثل تسيداً على الرغم من تأثيره وتميزه عما كان عليه قبل عقود ، فالتسيد ما زال للشعر لأن الثقافة الأدبية العربية يقودها الشعر منذ نشأتها ولهذا ظلت ثقافة حماسية انفعالية. ما يحدث الآن من تقدمٍ للرواية، أرى أنه سيسهم بصناعة تحول جديد في الثقافة العربية، إذ يمكن أن يصنع تأثيراً في المجتمع بما يملكه السرد من قدرة على استيعاب التفاصيل وطرح المفاهيم والتأويلات المتعددة، في زمنٍ فاضت به الصورة على كل الحيوات حتى أن المجتمعات أصبحت بحاجة الى ما يوازي هذا الفيضان من تفاصيل وتأويلات يملكها السرد، و يمكن للصورة المتمثلة بالفضائيات ومحتوياتها الفنية والإعلامية أن تنتفع منه فتكون الرواية منهلاً لها. المجتمعات العربية مجتمعات شعرية لأن الشعر ترك أثراً انفعاليا على حياتها حتى أصبحت تشبه الارتجال الشعري، خارجةً عن أطر التأمل العميق غيرُ مهتمةٍ بقوة التفاصيل، ذاهبةً إلى اختصار المفاهيم الكثيرة، بمفرداتٍ بسيطة من الحياة. فقد عاشت هذه المجتمعات عيشةَ الشعر بين المعاني، فهي تُلمّحُ للحياة، ولا تحياها، كما يفعل الشعر مع الأفكار، إذ يُلمّحُ لها ولا يصرح بها تماما . خلاصة ما أقول هو أنني مع غواية الرواية ، مع تقدمها . مؤمن بأنها ابنة العصر الحالي، إبنة الحاجة الاجتماعية لها ، إبنة التفاصيل التي بات الناس يبحثون عنها، بعد أن انتهى عصر الاختزال، وفاض الزمن بالتفاصيل الكثيرة المبهرة التي لا يمكن للشعر ان يعبر عنها كما تفعل الرواية . الأرض بنت التفاصيل ، الشعر يختزلها، والرواية تعيد الحيويةَ إلى تفاصيلها . 

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *