ماذا نريد من السِّينما العراقيَّة؟

ماذا نريد من السِّينما العراقيَّة؟
آخر تحديث:

صلاح حسن السيلاوي

السينما نقلت كثيراً من الثقافات للمجتمع، فالعربي في أقصى المغرب ومثيله في شبه الجزيرة العربية، يميز بين لهجة الفلاح وابن المدينة في بلاد النيل، كما يعرف ثقافة المدن وطبيعتها وأسماء رموزها. كل ذلك فعلته السينما المصرية. من هنا نتساءل عن أهمية صناعة السينما وأثرها الثقافي في العراق، ماذا نريد لنصنع سينما عظيمة؟، وكيف نؤثر إيجابيا في ذائقة المجتمع من خلالها؟، وهل نملك بنى تحتية ومعنوية لنتمكن من ذلك؟. 

الأثر الثقافي للسينما

الناقد السينمائي كاظم مرشد السلوم يرى أن السينما صناعة وفن تخضع لحسابات السوق ودلالة شباك التذاكر، بمعنى أنها صناعة تتطلب رؤوس أموال كبيرة لديمومة انتاجها، كما تتطلب بنى تحتية تسهم في ديمومة هذا الانتاج وتفعيله، كذلك فإن وجود شباك تذاكر، اي صالات عرض يرتادها الجمهور، هو العامل والدافع الرئيس في تشجيع المنتجين على الاستمرار في استثمار رؤوس أموالهم في هذه الصناعة، وكلا الامرين غير متوفرين في العراق، الأمر الذي أثر سلبا في الصناعة

السينمائية.

وأضاف السلوم موضحا: السينما في العراق بدأت مبكرا، كعروض لأفلام عربية وعالمية، وكان لهذه العروض اثر ثقافي مهم على جمهور المشاهدين، اذ تتميز السينما بخاصية نقل وتلاقح الثقافات بكل تفاصيلها، وكان هناك حالات من التماهي مع ابطال الافلام السينمائية، بعد ذلك بدأت مرحلة الانتاج السينمائي المحلي، وكان هناك العديد من الأفلام الناجحة، مثل سعيد أفندي، الحارس، بيوت في ذلك الزقاق، الجابي، الرأس وغيرها.

وعن أثر الحروب على صناعة السينما العراقية قال: حروب العراق أثرت في الإنتاج السينمائي بشكل كبير، ومعظم الأفلام التي انتجت اثناءها كانت أفلاماً تعبوية، الى ان جاء الحصار وأجهز على كل شيء، الا من بعض افلام سُميت بأفلام السكرين.

معظم الانتاج السينمائي الحالي يدخل ضمن السينما المستقلة، ولم تنتج افلام مدعومة من الدولة سوى افلام بغداد عاصمة الثقافة وكانت تجربة انتاجية لم تأتِ بالكثير. وللآن لا نتوفر على بنى تحتية تؤهل لإنتاج سينمائي حقيقي.

النظريات وحدها 

الناقد الدكتور عمار الياسري أشار إلى “أن الفن والفلسفة والنظريات ليست كافية لصناعة سينما عظيمة، والنوايا الطيبة لا تصنع سينما جبارة، فمنذ المهادات الأولى للسيل البصري السينمائي الذي عمل على ديمومتها الأخوة لومير كانت مدن الألعاب ثم القاعات السينمائية المكان الأمثل للعروض على وفق بنية اقتصادية كبيرة أثبتت نجاحها ثم توالت النجاحات الاقتصادية التي ألقت بظلالها على تطور الفن السينمائي سواء كان دخول الصوت أم التقنيات اللونية أم الحاسوبية.

 وعن السينما في العراق قال الياسري:  وفي بلدنا العراق حينما أسست شركات بسيطة سواء كانت للعروض أم للإنتاج في خمسينات القرن المنصرم كانت دراسة الجدوى الاقتصادية مزامنة للجانب الفني مما حقق لها مردودات مالية جيدة سعى من خلالها العاملون في الوسط السينمائي آنذاك إلى الاستمرار والتطور،  إذن السينما قائمة على ثالوث مهم قوامه رجال الهندسة والاقتصاد والفن، واستمر الحال حتى الثمانينات لكن من دون ارباح كبيرة لعدم وضع ستراتيجية طويلة الأمد لتطوير الفن السينمائي.

وتحدث الياسري عما اصاب السينما العراقية في الثمانينات فقال: ومع نشوب الحرب العراقية الإيرانية أسهمت ماكنة الثقافة الحربية في موت الإنتاج السينمائي المرتبط بالسوق من خلال صناعة أفلام تخدم سياسة الدولة العسكرية، فالتعبئة العسكرية هي المطلب المهم، ولم تستطع الأفلام الكوميدية التي أنتجت وقتها في صناعة حراك سينمائي قادر على خلق اقتصاد سوق سينمائية، إذ لم تسع الدولة إلى دعم القطاع الخاص من جهة والمشاركة في المهرجانات العالمية الكبيرة من جهة أخرى،  ومع فرض الحصار الجائر انهارت السينما العراقية بسبب عدم استيراد الفيلم الخام وعدم دعم الشركات الخاصة ومؤسسات الدولة، إن هذا الانهيار سبب فجوة هندسية وفنية واقتصادية في السينما العراقية، فقد أصبحت تفتقر للشركات المنتجة وأصيب صناعها بالنكوص المعرفي وتهاوت قاعاتها مما أدى إلى تخلفها عن العديد من البلدان المجاورة، فالتواصل والاستقرار واطمئنان رأس المال التي تعد مقومات السينما فقدت في العراق، ومع انهيار النظام السابق لم تستطع السينما العراقية أن تخلق لها سوقا، بسبب قلة المنتجين وفقدان الثقافة السينمائية للتلقي بسبب قطيعة المشاهدة والنكوص المعرفي لصناعها على الرغم من المحاولات الفردية التي قام بها بعض المخرجين لغرض المشاركة في المهرجانات وحتى المليارات التي صرفت على أفلام بغداد عاصمة الثقافة لم تكن في محلها، فالمفروض إعادة بناء قاعات العروض ومن ثم دعم الشركات ومن ثم إنتاج ثلاثة أفلام أو أربعة يكون عرضها مجانا لشهرين أو اكثر حتى يعتاد الجمهور على ذلك ويتشبع ومن ثم يثق بالعرض العراقي وفي مختلف المحافظات وصولا إلى الاحترافية المنتجة، ومن ثم نلمس التأثير التربوي والجمالي والثقافي على المتلقي العراقي، فنظرية الغرس الثقافي تتطلب علاقة بصرية متينة ما بين الفيلم والمتلقي في شتى المحافظات وهذا ما لم يتحقق حتى الان.

فن وصناعة ورسالة 

المخرج حسنين الهاني قال: قالوا سابقا السينما (فن وتجارة وصناعة) أما اليوم فأصبحت (فن وتجارة وصناعة ورسالة وعلم)، فهي مصدر للسياحة والبحوث والتقصي. 

كان العراق بلدا سينمائيا بامتياز من خلال صناعته للسينما وانتاجها من خلال دور العرض التي كانت تشتهر بها بغداد عن سائر العواصم العربية، عددها وشكلها ومواصفاتها وايضا عدد الافلام التي كانت تنتج آنذاك بالرغم من قلتها لكنها ايضا اكثر من بقية أقرانها من الدول، الناس كانت ترتاد صالات السينما عندما كان الجمهور مثقفا سينمائيا ومتحررا فكريا يتذوق الافلام وقصصها على وفق شكلها وتأثيرها الطبيعي لا أن يسيس ويبلور منهاج الفيلم على وفق اجندات ليست بريئة او غاياتها ليست انسانية … حتى دخول العراق في حرب طاحنة استمرت لسنوات طويلة وبعدها الحصار الاقتصادي على العراق الذي قتل حتى لقمة الخبز وليس اشكال الرفاهية في البلد فقط اصبح الشعب أمنيته ان يوفر لقمة العيش لا ان يحلم ويحب ويتمنى.

وقال الهاني ايضا: عندما تحرر العراق وخرج من فكر متحجر متقوقع مشحون بالقلق صارت هنالك تجارب سينمائية لأفلام القليل منها طويل والكثير منها القصير.. هنا توجد قفزة في الفكر والشكل والمقبولية، إذ إن توقفها لثلاثة عقود واكثر أحدث فراغا كبيرا في الانتاج والتكلفة والفكر والمقبولية لان الافلام اما ان تكون حربية والناس قد احترق قلبها وذائقتها من الحروب وذكراها او ان تكون افلاما لها علاقة بأحداث ليست جماهيرية منها النظام السابق او الاحتلال او الارهاب وغيرها وهكذا افكار ومواضيع لا تشكل جذبا جيدا للمتلقي، وعليه علينا ان نفكر بأفلام لها علاقة بالإنسان الجديد في عراق اليوم الانسان الذي شاهد كل انواع الانفتاح كمشاهدة ضوء الشمس من النافذة بعدما كان يرى الأشياء من ثقب مفتاح الباب، والمسألة هذه تتطلب بناء دور للسينما جديدة ومتطورة وان تتبنى الدولة الانتاج للعديد من الافلام حتى تثبت نجاحها وتشجع الافراد واصحاب رأس المال على خوض تجربة الإنتاج ولعبة السوق كما في كل دول العالم، وهذه المسألة تتطلب صبرا ودراسة عميقين، وهذه الامور حدثت بشكل اعرج في العقد الاخير لان كل ما انتج شخصي وبسيط لا يرتقي لشباك التذاكر من خلال موضوعه وعدده، يعني كل كم عام نسمع عن انتاج فيلم سينمائي عراقي طويل وهو انتاج شخصي.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *