«أفكار».. نريد الثقافة نظيفة

«أفكار».. نريد الثقافة نظيفة
آخر تحديث:

 ياسين طه حافظ
مرة، اعتذرت لصديق عن لقاء تلفزيوني للحديث عن الثقافة والسياسة. كان جوابي: عذرا. لا أريد الكلام، مللت.
أنا رهين مكتبتي، هي عالمي الذي اعرف تفاصيله.
 دعني من الكذب!..
يؤسفني القول ان عددا كبيرا من مثقفينا يكذبون، يكذبون على أنفسهم وعلى الناس. ربما الظروف تضطرهم؟.
 ربما الواقع اكبر منهم ومن طاقتهم؟ ربما ادركوا اللعبة فما عادوا يهتمون بالحقيقة؟ ربما أيضاً يصنعون لانفسهم هيبة ليكسبوا فرصة؟ ربما. ربما.
وهذا هو العذاب لهم ولنا!
كذب أولاء في الادعاء المعرفي أو الإبداعي، أمر هــــــيّن نعـــرفه ويعــــرفونه وثمــــة تســـــــتر متبـــــادل.
 وانهم يتغذون على ما يقرؤون ويعيدون قوله أو كتابته، نقول هي أيضاً مرحلة نمو وحتى موسم النضج.
لكن الأمر المقبول على مضض، يصبح سوءة حين نتكلم،  وكأننا نحن العلماء وكأننا نحن المفكرين وكأننا اصحاب الرأي والناس ننتظر منهم الهدى.
قد تكون التنطعات والزهو حقا لمن يأتي بجديد خارق، ممن يغير واقعا أو مستوى. أما جُمّاع المقولات وصناديد المحاكاة، فأولاء يربكون الثقافة ويؤذون الناس بما يلغطون به من مشاريع.. وانجازات وأحكام على الغير وكأنهم الفطاحل الكبار…
مؤسف ذلك ولا نتمناه. هم جديرون بالأفضل منها.
صحيح كلنا نريد الظهور بأكثر مما نملك واكبر من حقائقنا وحجومنا. وقد تكون نزعة طبيعية واجتماعية، أن تبدو أمام الناس أفضل واعلم واكبر مقاما.
لكن أيا من هذه تستحيل خطيئة وعيبا حين تكون على حساب الثقافة أو تكون استغفالا أو تباهيا أو مدعاة رزق. نحن بالرغم من كل جور حياتنا وعوزنا، مطالبون أخلاقيا، بأن نكون في حال التأني والكلام العلمي المحكوم بمنطق مقبول وعدم السخاء في الإطراء في غير مكانه وعدم الشحة واللؤم في غير مكانهما.
 المعرفة والموضوعية ركنان مقدسان والعلمية مطلوبة في كل حال، هي امتيازنا.
ليس هذا درساً في الأخلاق، ولا هو إفهام لناس قد يكونون افهم مني.
ولكني أحاول أن اذكِّر بضرورة الروح العلمي في الكتابة والتقويم وبالعمل الرصين العاقل في الدرس والأحكام.
انتهيت قبل ساعتين من قراءة مقال بعشر صفحات عن قصيدة بصفحة واحدة. لشدة إعجابي بها، فكرت بترجمتها.
دراسة بعشر صفحات لم يخرج الدارس فيها عن تفكيك القصيدة، موسيقاها، لغتها والشكل الفني.
فلا أثنى ولا ذمَّ أو قلّلَ من شأن ولكن تحدث مثل حكيمٍ عارف في مجال تخصصه.
نحن ناس نتكون، نتثقف  ونحاول أن نقول شيئا ونحن نفيد من قراءاتنا محاكاة أو اغتناء معرفيا ونحاول أن نستعرض ما نعلم.. لكن علينا ألا نتعالى أو نتعالم أكثر مما هو مقبول. كلٌّ أستاذ نفسِه.
 قد أزيد عليك بشيء وتزيد علي بشيء لكن الجامع بيننا هو الاحترام! أما الكذب، فقد كذبنا كثيرا.
لقد تحولنا إلى «قرقوزات» من كذب الموالاة وألاعيب الارتزاق والركض من و الى، من اجل سمعة كاذبة أو من اجل هبة أو رضا. لقد مسخت الحياة الكثيرين منا.
اسأل: هل شرط أن نلعن السابقين لنفيد من اللاحقين؟ ونسيء لغيرنا لنبدو  اعلم وافهم؟ الا يمكن ان يحترم الإنسان نفسه وينأى قليلا عن خزعبلات الدنيا؟ ألا تحتاج إلى أخلاقيات في الكتابة والسلوك؟
لماذا الثقافة إذن؟ أين هذه الكتابات، وهذا التهافت من الحكمة، التي تبهج الجميع؟ قارن هذا الكذب وهذا الادعاء وهذا التراكض واللغط عن هذا وذاك بما يقوله هذا النص وهو من تقاليد «الزن» القديمة:
  ان عدم الانتماء إلى «مكان» محدد هو شرط الانتماء لأي انجاز سام وهو شرط الانتماء الكامل للمعنى..
 كما ترون هو لا يقول بالخلوة أو الاعتكاف بعد انتهاء موسم الصيد.
نريد الثقافة نظيفة ولا نريد المثقف يموت وحوله كومٌ من الأكاذيب..

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *