الإعمار وفلاسفة التنمية في حكومة السوداني

الإعمار وفلاسفة التنمية في حكومة السوداني
آخر تحديث:

بقلم:علي الصراف

حكومة “الإطار التنسيقي” التي يقودها محمد شياع السوداني، هي في واقع أمرها، حكومة نوري المالكي الثالثة. هذه الحكومة تتبنى الآن فكرة تقول إنها تريد أن تعود لتفعل شيئا للتنمية. نسيت أنها فشلت في بناء جسر واحد جديد، ولا مستشفى واحدا، ولا بلطت شارعا بالإسفلت، على امتداد عهديها السابقين، بل على امتداد العقدين الماضيين كلهما، وأضاعت ما يصل مجموعه إلى نحو 1.5 تريليون دولار من عائدات النفط، وكان لمنظمات الولي الفقيه حصة “الخُمس” فيها نهبا وتزويرا وخداعا.

نسيت، ولكن الناس لم تنس.

العلامة الأبرز في المشروع الجديد هو ما يُسمى “طريق التنمية” الذي يربط بين موانئ البصرة وبين الموانئ التركية. وهو طريق يقضي ببناء سكة حديد وطريق برية موازية ومنشآت خدمية وإسكان، على طول الخط البالغ نحو 1200 كم.

التقديرات الأولية للمشروع، بما يشمل تطوير ميناء الفاو، تبلغ نحو 17 مليار دولار. ويمكن بسهولة الافتراض أن هذا المبلغ سوف يتضاعف مرة أو حتى مرتين.وعلى الرغم من كل الانطباعات المتفائلة التي تبثها الحكومة وميليشياتها عن الفوائد العظيمة التي سوف يحققها المشروع، فإنه مشروع فاشل. والغاية منه، ليست هي ما يُشاع عنه.بعد عشرين عاما من الغزو الإيراني، صار العراق يستورد من الخارج 80 في المئة من احتياجاته، بما في ذلك 70 في المئة من طعامه، ويبلغ إجمالي قيمة الواردات نحو 49 مليار دولار

الغاية هي، بكل بساطة، أن تستولي شركات أجنبية (مع بعض عطاءات من الرشاوى)، وأخرى فرعية تابعة للميليشيات، وثالثة إيرانية تابعة للحرس الثوري، على أجزاء من المشروع بعقود مُبالغ في قيمتها، ليكون المشروع بذلك واحدا من أكبر مشاريع النهب المنظم التي عرفها العراق والمنطقة والعالم.هذه هي الغاية. وليست تسميته بـ”طريق التنمية” سوى عمل آخر من أعمال الخداع والتقية لذر الرماد في العيون.

وهو مشروع فاشل، لأنه يضع خناق العراق في قبضة تركيا. وهي بلد يمارس الابتزاز في قضايا أصغر. ويمارس الابتزاز حتى مع حلفائه. ولا توجد ضمانات بأن تركيا لن تطالب بالمزيد من الرسوم، أو أنها لن توقف الطريق برمته، مثلما تفعل الآن مع خط نفط حقول كردستان إلى ميناء جيهان. ومن الناحية الإستراتيجية، فإنه ما لم يحظ الطريق بضمانات دولية، فإن عدم البدء به، أوفر.وهو مشروع فاشل لأن طريق الهند – حيفا، الذي لا يقع تحت طائلة حكومات فساد، كحكومة العراق، ولا لشركات تابعة للحرس الثوري، أكثر فاعلية لوجستية. ولسوف يتم إنجازه أسرع، وبكفاءة أعلى، وتكاليف أدق، مما يُبطل الحاجة إلى “طريق النهب” الذي تريد ميليشيات “الإطار التنسيقي” أن تبنيه على جلود العراقيين التي تم سلخها من قبل. وذلك فضلا عن أن رسو الناقلات في موانئ الإمارات، أقرب وأكثر جدوى اقتصادية، من الصعود إلى موانئ البصرة.

كل هذا في كفة، والحديث عن “الإعمار” على أنه “تنمية” في كفة أخرى. لأن الخلط بين المفهومين فضيحة قائمة بذاتها. وهي تكشف أن النهب هو المقصود، وليس التنمية ولا حتى الإعمار نفسه.

فما هي “التنمية”؟

لكي لا يجادل المرء مع أحد أو مع نفسه، يكفي أن يسأل “غوغل” هذا السؤال، ليأتيه الجواب، فيقول “التنمية هي عملية تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمجتمع. وهي تهدف إلى تحسين مستوى المعيشة لجميع أفراد المجتمع، وتوسيع خياراتهم وقدراتهم”.والتنمية بحسب تعريف الأمم المتحدة “هي عملية توسيع خيارات الناس وقدراتهم، وتحسين ظروفهم المعيشية”.

والتنمية بحسب تعريف البنك الدولي “هي عملية تحسين نوعية الحياة للناس”.والتنمية بحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية “هي عملية زيادة القدرات البشرية والاقتصادية، وتحسين مستوى المعيشة”.كل التعريفات إنما تقول إن المجتمع، لكي تتحسن مستويات حياته وتتعدد خياراته، يتطلب بناء اقتصاد صناعي وزراعي وخدمي وتجاري متكامل. وهو ما يعني وجود دورة اقتصادية، هي التي تنتج العائدات. والعائدات هي ما يُعاد تدويره في داخل الدائرة ذاتها لتنمو وتتسع وتزداد فيها الخيارات، فتتنوع الموارد والخبرات وتتسع الأسواق الداخلية، قبل أن تمتد لتبحث عن منافذ لها في الخارج.

والحال، فبعد عشرين عاما من الغزو الإيراني، فقد صار العراق يستورد من الخارج 80 في المئة من احتياجاته، بما في ذلك 70 في المئة من طعامه، ويبلغ إجمالي قيمة الواردات نحو 49 مليار دولار. وقسط كبير من هذه الواردات (نحو 20 مليار دولار) يذهب إلى إيران وحدها.العيش على “الريع” النفطي، هو أمر لا علاقة له بالتنمية، ولا بأي فكرة عنها. وما يحصل في العراق هو أن دائرة الريع نفسها يتم تهريبها إلى الخارج. مما يجبر كاتب هذه السطور على القول: يكفي ضحكا على عقول الناس.

أما العيش على “الريع” النفطي، فهو أمر لا علاقة له بالتنمية، ولا بأي فكرة عنها. وما يحصل في العراق هو أن دائرة الريع نفسها يتم تهريبها إلى الخارج. مما يجبر كاتب هذه السطور على القول: يكفي ضحكا على عقول الناس.أما الإعمار، فهو شيء آخر مختلف تماما.وبحسب تعريف غوغل، فالإعمار هو “عملية إعادة بناء وإصلاح ما دمرته الحرب أو الكوارث الطبيعية أو العوامل الأخرى. وهو يشمل إعادة بناء البنية التحتية، مثل الطرق والجسور والمباني، وكذلك إعادة بناء المرافق العامة، مثل المدارس والمستشفيات”.

والإعمار الحقيقي، هو ما يتناسب مع احتياجات التنمية أولا بأول. بمعنى أنه من الحماقة أن تنفق دولارا لا يقدم خدمة مباشرة للتنمية، لجهة مردودها الاجتماعي.الحديث عن “الإعمار” على أنه “تنمية” هو حديث مخادعات فقط. والإعمار بمعزل عن غايات التنمية هو حماقة، قد تكون مقصودة، كما هي الحال مع ميليشيات الولي الفقيه، أو غبية كما هو الحال مع بعض الدول التي تبني عمارات سكنية “راقية” للفلاحين، حتى لا يعود المرء يعرف أين يربط العنزة.غاية القول، هي أن حكومة نوري المالكي الثالثة، طورت طرائق النهب، وصارت تعرف من أين تؤكل الكتف. أكلت الكتف الأول في الحكومتين اللتين قادهما المالكي بين عامي 2006 و2014، بطرائق بشعة من أعمال اللصوصية المباشرة وعقودها المزيفة، وتريد أن تأكل الكتف الثاني في حكومة محمد شياع السوداني، بطرائق الإعمار التي تخلط حابل المفاهيم بنابل الغايات اللصوصية ذاتها.

إحدى هذه الطرق القائمة الآن، هي المصارف التابعة للميليشيات. فهي “مصارف شرعية”، وتنجز أعمال التهريب وتبييض الأموال بطرق “شرعية”. وبعضها نشأ باستدانة المليارات من ميزانية الدولة، قبل أن تأتي الحكومة فتعفي هذه البنوك من مديونيتها، وذلك في عمل يبدو هو الآخر “شرعيا”، ولكنه عمل لا يجرؤ عليه أرذل خلق الله لو كانوا هم الدولة. لأنه يعني إنشاء مصارف تسرق من الدولة بتمويل من الدولة.ما يحدث الآن، هو أن أراذل وأميي سياسات النهب صاروا فلاسفة في “التنمية”.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *