الانتخابات العراقية .. كيف ستورد الإبل؟ بقلم رعد عبد المجيد

آخر تحديث:

أعلت حكومة العراق متمثلة بمجلس وزرائها وبرلمانها تحديد منتصف أيار/مايو 2018 موعداً لأجراء الانتخابات البرلمانية في البلاد في ظل تحديات جمة تبدأ باستمرار العمليات العسكرية ضد داعش مرورا بحالة عدم الاستقرار السياسي وعدم التوافق مع شركاء العملية السياسية حتى اللحظة خصوصاً كردستان العراق ، وليس انتهاءا بحال النازحين والمهجرين نتيجة العمليات العسكرية التي أخلت اكبر المدن العراقية كالموصل وغيرها من المدن الصغيرة ومحافظات الوسط من سكانها ومقدرات حياتها الاساسية ، بالاضافة الى اعلان بعض مدن الجنوب بأنها مدنا منكوبة ، مع تأكيد رئيس الوزراء الحالي ان من التحديات هي اعادة النازحين الى ديارهم وتوفير البيئة الآمنة للأنتخابات ، بالاضافة للتحدي السياسي الاكبر الذي قد يُسقط مساعي الاصلاح السياسي ” إن وُجدت” لدى رئيس الوزراء حيدر العبادي ألا وهو التأكيد على عدم مشاركة الأحزاب أو الكيانات السياسية التي تمتلك أجنحة مسلحة .

قانون الاحزاب العرقي الجديد .. آليات وصعوبات
بعد تشريع قانون الاحزاب العراق في آب/أغسطس 2015 ذي الرقم “36” المستند لأحكام الدستور والذي يُعد مكملا للدستور بوصفه منظماً للحياة السياسية واحزابها في البلاد ، والذي جاء بديلاً لأمر سلطة الائتلاف المؤقتة ذي الرقم “97” لسنة 2004 المعروف بأسم “قانون الأحزاب والكيانات السياسية ” والذي أصدره الحاكم المدني للعراق انذاك “بول بريمر” لتنظيم مشاركة الأحزاب والكيانات السياسية في الانتخابات ، حيث أعتمدته انتخابات الاعوام 2005 و 2010 و2014 ؛ أضحى الان من الصعب بمكان مشاركة العديد من الكتل والاحزاب والكيانات السياسية المتنفذة في المشهد السياسي العراقي لتعارض هيكلتها وتنظيماتها مع هذا القانون الجديد .
فالقانون يؤكد على ضرورة كشف الاحزاب لهويتها ومصادر تمويلها وهو مالاترغب به الاحزاب والكيانات السياسية المتهمة بجلها ارتباطها بدول خارجية أو أجندات أجنبية وتحصل على تمويلها المالي ممن ترتبط به ، كما أن هذه الاحزاب تتخوف من أن تقوم الحكومة بتمويل الاحزاب المرخصة ” حسب هذا القانون ” فتخضع لهيمنة السلطة وتأثيرها ويدفع ذلك الى بروز أحزاب أخرى صغيرة تحتاج الى التمويل فتصبح منافسة للأحزاب الكبيرة الممولة خارجياً.
ضم القانون الجديد المنظم للحياة السياسية في العراق “61” مادة يراها العديد من المتابعين أنها ايجابية ولكنها غير قابلة للتنفيذ على ارض الواقع ، ومن هذه المواد : المادة الخامسة من القانون التي نصت على أن “يؤسس الحزب أو التنظيم السياسي على أساس المواطنة وبما لا يتعارض مع أحكام الدستور، ولا يجوز تأسيس الحزب أو التنظيم السياسي على أساس العنصرية أو الإرهاب أو التكفير أو التعصب الطائفي أو العرقي أو القومي” ، وهذا مايتعارض والحال السياسي في البلاد اليوم ويصعب تنفيذه بسبب أن الاحزاب المسيطرة على الساحة السياسية تحمل الطابع الطائفي أو العنصري وكذلك الارهابي بعد اعتبار العديد من التنظيمات المسلحة المرخصة في الشارع العراقي ارهابية وعلى لوائح الارهاب العالمية .
وهذا يأخذنا مباشرة على الاحزاب المرتبطة بها فصائل مسلحة والتي رفضها هذا القانون حسب المادة الثامنة من الفقرة رابعا التي نصت على “ان لا يكون تأسيس الحزب وعمله متخذا شكلا التنظيمات العسكرية او شبه العسكرية كما لا يجوز الارتباط بأي قوة مسلحة”, للحفاظ على سلمية النشاط السياسي وهو شرط اساسي من شروط الديمقراطية فلا يمكن الحديث عن تهديد او ردع يفرض إرادات ويقمع حريات في ظل أي نظام سياسي يدعي أن آلياته ديمقراطية، وهنا ستكون مشكلة الاحزاب والتيارات السياسية التي تمتلك علانية فصائل مسلحة وترفض حلها. (1)

وأعطت المادة (44) من القانون الحق للأحواب تملك وسائل الاعلام ومنحتها الاعانة المالية بنسبة 20% للأحزاب المسجلة بموجب هذا القانون ، و80% للأحزاب الفائزة بالانتخابات ، أضافة للمادة (25) التي تمنع الاحزاب من التمول الخارجي لحماية العملية السياسية في البلاد من الاختراق الاجنبي واعطاء الاحزاب الاستقلالية .

أما الطامة الكبرى في هذا القانون كما أوجزتها ” إيمان فارس ” في مقالها حول هذا القانون فتكمن في المادة (41) والمادة (2) ، فالأولى تنص على “امتناع الحزب قبول اموال عينية او نقدية من اي حزب او جمعية او منظمة او شخص او اي جهة اجنبية الا بموافقة الحزب وعدم ارسال اموال او مبالغ الى جمعيات او منظمات او الى اية جهة اجنبية الا بموافقة دائرة الحزب” وبالتالي أعطت هذه المادة الحق لأدارة الحزب بقبول الاموال والدعم الخارجي في تناقض واضح مع مواد القانون الاخرى ، وبالتالي سيخضع التنفيذ لأهواء تلك الاحزاب ونفوذها .

أما المادة (2) التي تنص على تأسيس “دائرة الاحزاب” وربطها بمجلس مفوضية الانتخابات والذي يخضع بدوره لهيمنة الكتل السياسية الفائزة في الانتخابات فقط ويوصف بانه مجلس محاصصة طائفية وحزبية سيتحكم بطبيعية الحال بقبول وتسجيل الأحزاب او التوصية بالغاء واستبعاد بعضها.
وكان من الأفضل ربطها بسلطة قضائية مستقلة او وزارة العدل او كما هو معمول في اغلب دول المنطقة بوزارة الداخلية على اقل تقدير.(2)

بالاضافة الى دلالة مواد اخرى في القانون تفرغ احداها الاخرى فتضع القانون في ضبابية مواده وآليات تنفيذه والمستفيد منه .

وفي حال تطبيق القانون بصيغته الحالية وذلك بتشكيل “دائرة الاحزاب” المرتبطة بمفوضية الانتخابات ودخول القانون حيز التنفيذ, دون تغيير او تعديل حينها ستتحكم مفوضية الانتخابات بعملية تشكيل الاحزاب والتنظيمات السياسية، باعتبار ان “دائرة الاحزاب” ستكون تابعة لها بموجب القانون وبما ان المفوضية يتم تشكيلها من مرشحي احزاب السلطة بحسب نظام المحاصصة الطائفية والحزبية ستخضع الاحزاب الاخرى خارج السلطة او التي تسعى الى التأسيس الى اهواء من هم في السلطة.
ولعل ابرز المشكلات والاهم هي عدم تحقيق الهدف الاكبر من القانون وهو الكشف عن تمويل الاحزاب وتحييد المال السياسي إذ يبقى تصنيف الاحزاب على انها طائفية او عنصرية او حظرها رهنا بأهواء القائمين على تطبيق القانون. (3)

خلط الاوراق في الانتخابات والحظوظ لمشهد جديد
ورغم تأسيس ” دائرة شؤون الاحزاب والتنظيمات السياسية ” فلا يمكن تنفيذ بنوده المتعلقة بحظر دخول الاحزاب أو الشخصيات المرتبطة بتنظيمات مسلحة أو البحث عن مصادر التمويل خصوصا بعد ان اعلنت هذه الدائرة اعطاء مهلة لمدة عام لبيان مصادر الاحزاب المالية مما يعطي الانطباع بعدم الجدية في آاليات التطبيق لقانون الاحزاب السياسية ، ومن ضمن الاجراءات التي تؤكد عملية خلط الاوراق للمشهد السياسي المقبل هي منح التراخيص قبل عدة أشهر للأحزاب المتنفذة في البلاد وهي تملك أجنحة مسلحة بعرفها الشارع العراقي رغم كل الادعاءات الورقية والاعلامية من قبل تلك الاحزاب بأنها لاتمتلك تلك الاجنحة وأن المشاركين في الحشد الشعبي هم مجرد متطوعون وفرتهم تلبية للجهاد الكفائي الذي دعت اليه المرجعية الدينية الشيعية.

ومن الاسئلة المهمة التي تطرح هنا : من الضامن لولاءات المرشحين المنتمين لفصائل الحشد الشعبي في حال فوزهم في الانتخابات التي سيحشد لها لتغيير وجوه الساسة الحاليين من الشيعة او اضافة وجوه جديدة ذات نكهة متطرفة وولاء خارجي ؛ من الضامن لتحويل الولاء للمواطنة والوطن لا لدولة اخرى ؟ ..
فالحديث عن مجرد التغيير الورقي واستبدال بدلة بأخرى بأنه تغيير في الولاءات او الاصطفاف السياسي المدني بدل المذهبي والعنصري كلام يعتريه الكثير من التدليس والمغالطات ، فالمخاوف المشروعة اليوم عن تمثيل “لولاية الفقيه ” بشكل برلماني في العراق يدفع عملية الرفض هذه الى الاستمرار ، مع التشكيك بأن حيدر العبادي قادر على المنع الفعلي لقيادات ومسميات مسلحة من الدخول الى العملية السياسية او الرجوع اليها بعد ان لبست الثوب العسكري او الطائفي بشكل فعلي ، لاسيما بعد تصريحات قيادات مهمة ورئيسة في الحشد بأن الحشد هيئة مسلحة تابعة للدولة وبالتالي لاتتبع عناصر الاحزاب السياسية المنخرطة فيه للأحزاب التي ساهمت بتأسيسه وبذلك كان التملص من استثناء الاحزاب التي لديها جهات مسلحة!

ملامح الدولة المدنية للأنتخابات المقبلة .. غائبة
كل الشعارات التي رفعت وفي كل الانتخابات الماضية تؤكد على بناء الدولة المدنية وهو ماكذبته الوقائع والاحداث التي تلت تلك الانتخابات منذ 2005 وحتى 2013 ، وهانحن اليوم مقبلون على انتخابات تُرفع فيها نفس الشعارات لبناء دولة مدنية ودولة مؤسسات وهو أيضا يتنافى مع معطيات هذه الانتخابات ؛ فدولة المؤسسات والدولة المدنية تعني بشكل مبسط فصل عمل المؤسسات المهنية للدولة عن بعضها البعض.
لكن الواضح في العراق هو التداخل بين المؤسسات الدينية والسياسية والاقتصادية والمجتمعية لمصلة الدول الاقليمية ، مع ابراز الدور الاكبر للمؤسسة الدينية الشيعية في قيادة العراق ، ولا أحد ينكر دور المرجعية وصوتها في كل الاحداث السياسية والمجتمعية في البلاد بل وحتى الامنية ، فاستمرار الارتباط المعنوي للحشد الشعبي وبعض فصائله وتوجهه المعنوي بالمرجعية مع تقنينه لعائديته للدولة ، يعطي المؤسسة الدينية الذراع الطولى في البلاد بعيداً عن مدنية الدولة وقوة مقلقة لبناء دولة تكنوقراط بالمفهوم العلمي والمتناغم مع طبيعة المجتمع العراقي .

إن المقولة بأحقية المليشيات والحشد الدخول الى العمل السياسي كمكافئة لعملها ضد داعش ينافي بناء الدولة المدنية، ليس انكارا للدور الفاعل له في ارباك وتراجع بل اختفاء داعش من العراق ، بل تأكيد على تسنم المواقع السياسية والعمل السياسي لمن يتخصص كما في بقية مجالات الحياة ، لكن المقلق فعلا ومايتنافى مع تصريحاته ينبري خبر دخول العبادي الى الانتخابات المقبلة بقائمة تضم عددا من قادة الحشد الشعبي! .. وبذلك إن تأكد الخبر فأنها مجرد تصريحات للأستهلاك المحلي محاولات الاصلاح التي يطلقها العبادي ، وإن كانت انباء كاذبة فالعبادي أمام تجد كبير على المراهنة على مدنية دولة يبغيها لو قام باستبعاد حقيقي لقيادات عسكرية مليشياوية من الانتخابات ، مع التحدي الاخر باستيعاب الحلفاء وجلهم اصحاب اجنحة مسلحة ، بالاضافة على مراهنته بأعادة النازحين الى مدن خراب وتوفير حيات كريمة لهم والجو الآمن للأنتخابات في مدة قصيرة جدا!

ووفقا لهذه المعطيات وغيرها ؛ لن تكون هذه الانتخابات بقادرة على تأمين الدولة المدنية في الصفحة السياسية المقبلة ولااعرف كيف سيورد حيدر العبادي الساعي للأصلاح كما يعلن الابل؟ وهل هو قادر على وردها؟..

الهوامش
(1)و(2)و(3) مقال لـ”إيمان فارس” (قانون الاحزاب العراقي ..تم اقراره على الورق وتأخير تنفيذه)

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *