الانتخابات ومحنة السلطة الميليشياوية في العراق

الانتخابات ومحنة السلطة الميليشياوية في العراق
آخر تحديث:

بقلم:سمير عادل

إجراء الانتخابات المحلية من عدم إجرائها بالنسبة إلى السلطة الميليشياوية الحاكمة في العراق هو معضلة كبيرة لها. ففي حال إجرائها لن تتمكن من عبور أزمتها أو تجاوز أزمة عدم الانسجام السياسي في صفوفها أو بشكل آخر نقوله حسم الصراع على السلطة، بل ستعمقها بشكل أكبر. وفي نفس الوقت عدم إجرائها أيضا معضلة أخرى، لأنها في حاجة إلى بعث رسالة اطمئنان إلى المؤسسات الرأسمالية العالمية للحصول على بطاقة ضمان منها بأنها أمينة للنظام الديمقراطي الذي أرساه الغزو والاحتلال الأميركي للعراق.

الجميع يمسك بقبعته في المنطقة على إثر العاصفة القادمة من تداعيات حرب إسرائيل على غزة، وأكثر الأطراف تحاول الحفاظ على مواقعها ونفوذها السياسي في المنطقة هي إيران وأدواتها من الميليشيات وحلفائها من جماعات الإسلام السياسي.

وكما هو معروف أن العراق هو الحلقة المركزية في إستراتيجية النفوذ الإيراني، وما يحدث في غزة نجد صداه في العراق، وخاصة الموقف الذي وضعت فيه حكومة محمد شياع السوداني، وهو لا يحسد عليه. فالتناقض الصارخ يضرب تحالفات الميليشيات وأحزاب الإسلام السياسي المنضوية تحت اسم “الإطار التنسيقي” الذي يقف خلف تأسيس حكومة لا شرعية لها، إذ قام بالالتفاف على نتائج الانتخابات التشريعية عام 2021 علاوة على تزويره لها، وزيف كل شيء للحصول على السلطة سوى عدم قدرته على تزييف فساده ونهبه وسرقته وتصفيته لمخالفيه السياسيين.

ذلك التناقض ليس لأن الموقف من حرب إسرائيل على غزة بشكل عملي خارج البيانات والخطابات الطنانة فحسب، بل بسبب لفظ الجماهير لها ورفع غطاء الشرعية عنها في انتفاضة أكتوبر عام 2019 وحيث أطاح بحكومتها برئاسة عادل عبدالمهدي، حين حاول التحالف الحفاظ على شرعيته والاستمرار بالسلطة عبر القناصة وهجوم الميليشيات على المتظاهرين في ساحات المدن، والتواطؤ مع ميليشيات سرايا السلام والقبعات الزرقاء التابعة للتيار الصدري وتهديدات زعيمه، وقد قتل أكثر من 800 شخص وجرح ما يقارب من20 ألفا، وتوج فشلهم بالانتخابات المذكورة، حيث لم يشارك فيها أكثر من 12في المئة من الذين لهم حق الانتخاب من جماهير العراق.

في ظل أوضاع المنطقة والوضع السياسي في العراق، فإن الإطار التنسيقي هو أكثر الأطراف حاجة إلى انتخابات مجالس المحافظات التي تنظم اليوم، وأكثر الأطراف إصرارا في العملية السياسية لإجراء الانتخابات، بالرغم أن التيار الصدري أعلن انسحابه، كما انضمت إليه الجماعات القومية التي يتزعمها إياد علاوي إلى جانب مجموعات أخرى سميت نفسها بالتشرينية نسبة إلى انتفاضة تشرين – أكتوبر، وتتحرك ببوصلة التيار الصدري. وتجدر الإشارة إلى أن الأحزاب القومية التركمانية والعربية في كركوك رفعت مذكرة إلى المحكمة الاتحادية تطلب تأجيل الانتخابات في المدينة.

وتخيم على كل هذه الأجواء، هجمات الميليشيات على القواعد الأميركية والسفارة الأميركية والمنطقة الخضراء تطبيقا لشعار “وحدة الساحات”، وقد وضعت الحكومة اسما حركيا لتلك الميليشيات وسمتها “السلاح المنفلت” لتخفيف وطأتها على مسامع المواطن وفي نفس الوقت الحيلولة دون خدش مشاعر الجماعات التي تديرها أو التي تقف خلفها بحجة أنها غير قانونية عندما تسميها “ميليشيات”.

الإطار التنسيقي يحاول عبر الانتخابات ترسيخ سلطته السياسية في المحافظات، فهو لا يبحث عن الشرعية من خلال صندوق الانتخابات، لأن وجوده غير شرعي، سواء من خلال الانتخابات التي خسر فيها أغلبية مقاعده لصالح غريمه التيار الصدري، ولا من خلال الشارع كما ذكرنا.

إن انتخابات مجالس المحافظة بالنسبة إلى تحالف الأحزاب والميليشيات الإسلامية التي تدير حكومة بغداد هي من أجل تثبيت اعترافها بالنظام الديمقراطي أمام المؤسسات الدولية، وفي نفس الوقت الاستفادة من الهزيمة السياسية التي مني بها التيار الصدري بعد سياسته الفاشلة باقتحام مبنى البرلمان والمحكمة الاتحادية، وانتزاع الحكومات المحلية التي تسيطر عليه في المحافظات الجنوبية أو تقزيم مكانته ونفوذه السياسي.

إن المعضلة الرئيسية التي تواجه هذه الانتخابات، ليس ما ستذهب إليه الجماهير في مقاطعة الغالبية العظمى منها بنسبة ستتجاوز 82 في المئة لها كما فعلت في انتخابات 2018 وانتخابات 2021، إنما ما سينتج عنها من تداعيات بعد الانتهاء منها، مثلما حدث في الانتخابات التشريعية لعام 2018، حيث اجتاحت الاحتجاجات العشرات من المدن الجنوبية وتم حرق مقرات الميليشيات والأحزاب الإسلامية، كما تم حرق مبنى مجلس محافظة البصرة وهروب المحافظ وجميع أعضاء الحكومة المحلية إلى جانب فرار عناصر الميليشيات إلى قلاعها الرئيسية في إيران.

فحكومة السوداني، ومنذ تشكيلها زادت من مساحة الفقر، وبعكس ادعاءاتها الكاذبة بأنها قللت من نسبة الفقر في المجتمع، فالمعطيات المادية تفند الجمل الإنشائية الطنانة والفارغة من المحتوى التي تعوّدنا عليها، فالبطالة تتوسع رقعتها بسبب غياب أيّ مشاريع اقتصادية تستوعب على الأقل 50 في المئة من العاطلين عن العمل البالغين أكثر من 12 مليون عاطل، وما زال سعر صرف العملة المحلية أمام الدولار يراوح مكانه رغم كل التضليل الإعلامي للحكومة، وهذا ما زاد من نسبة التضخم وارتفاع أسعار السلع الأساسية وغير الأساسية في الأسواق، كما ساهم في تآكل القدرة الشرائية للمعاشات والرواتب، هذا ناهيك عن فرض الضرائب ورفع أسعار الكهرباء والمياه والاتصالات، والحبل على الجرار إذا ما نفّذت بنود قوانين الموازنة.

وبالعكس تماما هذه الانتخابات ستزيد من تفاقم الأزمة السياسية في العراق وتعمق بالتالي من أزمة السلطة السياسية التي لا تملك أيّ عصا سحرية سوى قمع الاحتجاجات الجماهيرية أو انتحارها سياسيا.

ولا تقف أزمة السلطة السياسية عند هذه الحدود، أو في الحقيقة أزمة الطبقة البرجوازية الحاكمة المتمثلة اليوم بأكثر أجنحتها حثالة كما نصفها دوما وهي الإسلام السياسي الشيعي، بل تكمن أيضا بشكوك في قدرتها على تسديد استحقاقاتها أمام المؤسسات المالية والرأسمالية الدولية، فالمطلوب منها خلق الاستقرار السياسي عبر تصفية معارضيها من جهة وخلق الانسجام السياسي في صفوفها، وإرضاخ الجماهير من جهة أخرى إما بالقمع أو تضليلها برمي الفتات لها على شكل زيادة هوامش المعاشات والرواتب، التي لا تتناسب مع حجم الضرائب ولا بحجم التضخم ولا بحجم تخفيض العملة المحلية، وفي نفس الوقت خلق بيئة آمنه لتحرك رأس المال العالمي بحرية في السوق العراقية دون أيّ تهديد من أيّ جهة كانت.

وكل تلك المحاولات التي تجري على قدم وساق من قبل الأطراف آنفة الذكر، سواء المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات أو التي تقاطعها، فليس لديها أيّ أجندة أو برنامج سياسي أو اقتصادي، بل المضحك جدا في شعارات القوى المشاركة التي أقل ما توصف به هو الكوميديا، وهي لم تتعلم طوال هذه السنوات من الدعاية الانتخابية للعالم بعد أن أصبح موحدا بفضل الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي والفضائيات.

فعلى سبيل المثال هناك من يرفع شعارا قوميا “نحن أمة” في سوق أصابه الركود لبيع الشعارات القومية، وقد طرد صاحبه وهو محمد الحلبوسي من رئاسة البرلمان بقرار اتخذ خلسةً في الليل وتم تنفيذه في وضح النهار ومنعه من مزاولة العمل السياسي طوال حياته. وشعار آخر لجماعة دولة القانون التي يرأسها نوري المالكي “قوة القرار”، أي قوة تسليم ثلث مساحة العراق إلى داعش عام 2014 عندما كان رئيسا للوزراء، وآخر “أقوال لا أفعال” لجماعة خميس الخنجر الذي يعني بحق ما يقول؛ حيث اشترى المناصب وصناديق الانتخابات تقاسما مع غريمه الحلبوسي في انتخابات 2021. وشعار آخر “بغداد تستاهل” لعمار الحكيم الذي لا يقبل أيّ مشروع ينفذ في بغداد دون الحصول على عمولة من الشركات العاملة سواء في بغداد أو في المحافظات التي له يد طولى فيها.

وشعار “نحمي ونبني” لهادي العامري وهو أمين بامتياز لما يدعيه، حيث تتهم جماعة بدر التي يقودها بترتيب “سرقة القرن” حيث تمت سرقة 2.5 مليار دولار من أموال الضرائب العامة حسب صحيفة “ذي غارديان” البريطانية. وهي أي كل تلك الشعارات تعكس المحتوى الفارغ لهذه الجماعات التي فرضت على رقاب الجماهير، وهي ليست في حاجة إلى تقديم برامج سياسية وشعارات سياسية للوصول إلى السلطة، لأنها غير معنية لا باختيار الجماهير لها ولا بمطالب الجماهير، بل هي وصلت، عبر الاحتلال للوهلة الأولى وفي غفلة من الزمن، وبعد أن استحوذت على كل شيء، استمرت بالسلطة عبر استثمار ما استحوذت عليها بتأسيس الميليشيات وقوة السلاح.

وأخيرا وهذا ما ترتعب منه كل تلك الجماعات المقاطعة والمشاركة، بأن ما تحتاجه الجماهير ليس الانتخابات، فهي جربت حظوظها في كل المحطات الانتخابية طوال ما يقارب من عقدين، بل ما تحتاجه هو تغيير الأوضاع بشكل ثوري ووضع هذه الجماعات في أرشيف التاريخ. وانتفاضة أكتوبر حفرت هذه المهمة في وجدان الجماهير وما زالت في قيد التنفيذ.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *