الثقافة الوطنية

الثقافة الوطنية
آخر تحديث:

د. حسين القاصد
لم يتحرر المثقف العربي بشكل عام والعراقي بشكل خاص من لوثة السياسة ، فصار السياسي الذي يصنعه المثقف قائدا يصنع نمطا ثقافيا يديم سلطته، وبين التعددية الحزبية والتعددية الثقافية نوعا من التنميط لهيمنة حزب واحد او ثقافة واحدة ، وهو ما بدأته مصر ايام جمال عبد الناصر حين تصدت لقيادة العالم العربي وسعت بكل ادواتها الثقافية لهذا الحلم ، واسست للمشروع القومي الذي على الرغم من مساوئه اسهم بازدهار الادب العربي وتداوله في البلدان العربية وادخاله في المناهج المدرسية ، فصرنا نقرأ لطه حسين والجواهري ومحمود درويش وعلي جواد وجبران وعبد المعطي حجازي ونجيب محفوظ وفؤاد التكرلي في مجلة عربية او في كتاب منهجي للطلبة في اي بلد عربي ، ومع حسنة انتشار الادب وازدهاره ، ازدهرت ممارسة التدجين الثقافية ، وصار الخيط الخفي يدير كل المثقفين المنتشرين في الكتتب المدرسية والمجلات العربية ، فمارس كل الادباء الذين استهوتهم لعبة القومية الناصرية وظيفة اعلامية تبشيرية بعبد الناصر وثورته القومية ، ومثله انخرط الفنانون حيث استخدم عبد الناصر كبار الفنانين المصريين لماكنته الاعلامية بل وظفهم في حربه على نوري السعيد وعلى الزعيم عبد الكريم قاسم ، وكلنا نتذكر اغنية ام كلثوم (بغداد ) ومناسبتها !! .بعد مرحلة عبد الناصر صار للبعث المنحل ان يتلبس المشروع القومي ويسير على خطى عبد الناصر ، فقام بكل ماقام به عبد الناصر واحتكر المنابر الثقافية والاعلامية ودجن المثقفين لخدمته وخدمة مشروعه ، فصارت المهرجانات العروبية الوحدوية والتغني بفلسطين والاعتزاز بتاريخ العرب الاسلامي لأنه تاريخ مشترك بين العرب وليس كالارث الرافديني الخاص بالعراقيين وحدهم ، واستمر مشروع تدجين الثقافة العربية بقيادة بغداد الغنية بالنفط والمغدقة على المثقفين المعروضين للبيع في كل زمان ، وانصهرت التعددية في بودقة الحزب الواحد وصار المصنوع صانعاً ، اعني السياسي الذي صنعه المثقف صار صانعا لثقافة السلطة ومراقبا لتنفيذها ، واستمر هذا الحال الى حين انهيار النظام الساقط ، واسبشرنا خيرا وقلنا سيعود المثقفون الى جادة العراق ، ويتركون الصنم السياسي ، لكننا فوجئنا بتعددية ثقافية جديدة لكنها غريبة من نوعها ، وهي تعددية التبعية ، حيث توزع بعض المثقفين بين ثلة من الساسة واخذ كل منه  بتثقيف الشارع العراقي باتجاه صنمه ضد صنم زميله المثقف الذي اختار سياسيا اخر. وهكذا تحول التناحر السياسي الى تناحر ثقافي وضاعت قضية البلد لانشغال المثقفين بمعارك اصنامهم الساسة ؛ فكم كنا نتمنى اتفاقا واضحا في قضايانا المصيرية ، لاسيما قضية الاستفتاء في كردستان التي غابت عنها اصوات ثقافية كبيرة كانت لها ثقلها وقولها المؤثر ؛ لكن ـ كما يبدو ـ ان بعض المثقفين لاتليق بهم ادارة الامور او قيادتها ويفضلون البقاء مدارين ومقادين لا قادة وصناع رأي ويبدو اننا مازلنا نئن تحت الثقافات الحزبية وننسى الثقافة الوطنية .

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *