السياسي والثقافة

السياسي والثقافة
آخر تحديث:

 نجاح العلي

هناك ازدراء متبادل بين المثقف والسياسي في العراق، ففي الجلسات والحوارات والمقاهي الثقافية دائما هناك نقد لاذع للسياسي ودوره في تخريب البلد والذائقة الثقافية التي تحتاج الى الحرية والكرامة لكي تنمو وتزدهر، فلانجد أي اهتمام من قبل سياسيينا بالثقافة والمثقفين وحتى المكتبات العامرة في قصور السياسيين هي مجرد ديكورات لا اكثر وينطبق الحال ايضا على الصالونات الثقافية المبهرة في تصاميمها الهندسية وفخامة أثاثها ـ مقارنة بمبنى اتحاد الأدباء الفقير بأثاثه الغني بمحتواه ومرتاديه ـ ، إلا ان هذه الصالونات تعاني من خواء فكري وثقافي لأنها ببساطة مجرد واجهة دعائية وترويجية لكسب قلوب مرتاديها واستمالتهم، حتى وزارة الثقافة لاتهتم اليها الكتل السياسية المتحاصصة، وتعتبرها وزارة ثانوية يتبوؤها اي احد حتى لو ادارها وكالة وزير دفاع!! وهذا إن دلّ فإنما يدلّ على الفراغ الثقافي التي تعانيه الاحزاب السياسية فلايوجد في كادرها مثقف واعٍ ممكن ان يترشح لشغل هذا المنصب الحيوي والمهم. هناك حادثة لطيفة فيها الكثير من العبر والتواضع والثقافة سنسردها بإيجاز علها تصل الى سياسيينا، فقد كان السياسي اليميني الفرنسي ووزير الداخلية السابق (جان لوي دوبريه) يتنزه بدراجته الهوائية في شوارع الشانزيليزيه فاستوقفه متسول واقترح عليه ان يحرس دراجته ما ان يحتسي فنجان قهوة، وقد تبادل الرجلان الحديث واقترح السياسي على المتسول مساعدته على رواية السنوات السبع والعشرين التي امضاها في الشارع وفعلا استمر المشروع سنتين تمكن خلالهما المتسول الذي لم يتردد الى المدرسة كثيرا بكتابة ثلاثة دفاتر عكف الوزير السابق على نقلها واعادة صياغتها وكانت النتيجة ان حل الكتاب في المرتبة الثانية عشرة بين افضل مبيعات الكتب بحسب تصنيف مجلة «ليكسبريس».

لماذا لايبادر السياسيون في بلدنا الى مساعدة الكتاب والمثقفين على نشر نتاجاتهم الابداعية او اقامة مهرجانات وفعاليات وندوات ثقافية او تبني مشروع ثقافي حتى لو كان بسيطا، خاصة وان كلاهما يفترض ان يحملا مشروعا تنويريا يهدف الى رقي الانسان وتمدنه وتطوره، والثقافة احد اهم ادوات نجاح هذا المشروع وديمومته وتطويره، فالمثقف حامل فكر ورسالة عالمية تخلده في سفر الكتاب والادباء العالميين وهذا ما يسعى ويجتهد ويطمح الى تحقيقه حتى لو عاش حياة العوز والفاقة والفقر، ولايفكر بتحقيق مكاسب آنية زائلة، فالنقد والتهكم من شيمه ومن خصائله الاساسية، والتملق والاستجداء وطرق باب المسؤولين أبعد ما تكون من سلوكياته.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *