العراقيون ورئيسي والأمل المفقود

العراقيون ورئيسي والأمل المفقود
آخر تحديث:

 بقلم:ابراهيم الزبيدي

باعتبار أن لا خلاص للعراقيين من نير الاحتلال الإيراني الذي أفقرهم، وهيمنَ على مؤسسات دولتهم، وسلط عليهم سلاح مليشاته الوقحة، ونهب ثرواتهم، وأذلهم وحرمهم من الحياة الآمنة، فقد تمنوا أن يكون تنصيب إبراهيم رئيسي رئيسا للجمهورية، وهو المصنَّف، أوربياً وأمريكياً وإسرائيليا وعالميا، بأنه قاتل وينبغي محاكمته على ما ارتكبه من جرائم ضد الانسانية، وبالتزامن مع هجمات القرصنة الجديدة التي دشن بها عهده الشرير ضد السفن التجارية الغربية في الخليج العربي وخليج عمان، أن تعمد بريطانيا وأمريكا وإسرائيل ودول الخليج العربية، هذه المرة، إلى توجيه ضربة عسكرية تقصم ظهر نظامه، وتضع نهايةً لإرهابه، وتعيده إلى داخل حدوده، خصوصا مع تأكيد وزير الخارجية الإسرائيلي أن إيران على بعد عشرة أسابيع من صنع سلاح نووي.ورغم أن تجارب ثماني عشرة سنة أقنعتهم بأن أمريكا التي غزت بلادهم لإسقاط نظام ديكتاتوري قالت إنه خطرٌ على أمن العالم ومصالحه الحيوية قد تحالفت مع نظام لم يُخلق مثله في الديكتاتورية والعدوانية والدموية والإرهاب، وسلمته بلادهم وكراماتهم وثرواتهم، إلا أنهم اعتقدوا، أخيراً، بأن صبرها وصبر حلفائها قد نفذ، وصار لازما أن تُكفر عن ذنبها العظيم، وتعيد السلم والأمن إلى شعوب المنطقة والعالم، لتريح وتستريح.

كما حلموا بأن تخلق الضربة المنتظرة المُتمنّاة بيئةً عراقية شعبيةً ثورية ملائمة تجعلهم أقدر على مداهمة المليشيات الولائية، ونزع سلاحها، واستعادة هيبة الدولة وسلطة القانون، وامتلاك حريتهم المصادرة، ووحدة بلادهم، من جديد. 

ولكن التصريحات المشجعة التي أطلقها وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، والتي قال فيها إن الرد على استهداف إيران للناقلة التجارية في بحر العرب سيكون “جماعيا“، أفرغتها وزارة الخارجية الأميركية، في نفس اليوم، من مضمونها حين أعلنت أن “الولايات المتحدة تأمل في أن تنتهز إيران الفرصة لحلٍ دبلوماسي في الملف النووي، وأن عليها أن تتصرف على هذا النحو”.

وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس للصحافيين إن “رسالتنا إلى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي هي نفس رسالتنا إلى أسلافه، وهي بسيطة جداً: الولايات المتحدة ستدافع عن مصالح أمنها القومي ومصالح شركائها وتعززها”، ثم حثّه على “العودة سريعاً إلى طاولة المفاوضات  إذا كان صادقاً في عزمه على التوصل إلى رفع العقوبات”.

كما أن وزير الخارجية البريطاني، دومينيك راب، قال “إنه بحث هاتفياً مع وزير الخارجية الأميركي انطوني بلينكن ضرورة وقف إيران “لسلوكها المزعزع للاستقرار”، ولكنه طالب مجلس الأمن الدولي بالرد على “تصرفات إيران المزعزعة للاستقرار وعدم احترام القانون الدولي”، تماما كما كان العاجزون العرب يفعلون في أعقاب كل عدوان إسرائيلي على مدى أكثر من أربعين سنة.

وحتى وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، هو الآخر، لجأ إلى الأمم المتحدة، مطالبا بأن (يضع) المجتمعُ الدولي حدوداً لإيران لكي تتوقف عن سلوكها العدواني“.

يعني أن الأمريكيين والبريطانيين والإسرائيليين، وباقي الحلفاء، مكتفون اليوم، كما كانوا في السنين الأربعين الماضية، بالتهديد المخفف المخلوط بالدعوة إلى الصلح، وإلى مقولة عفى الله عما سلف.

وفي ضوء كل هذه الإشارات المحبطة المقصودة تَزايَد إحباطُ العراقيين، وتجددت شكوكهم القديمة بدول أوربا وأمريكا، فغسلوا أيديهم منها بالماء والصابون.

وشاركهم في ذلك، من الإيرانيين، أنفسِهم، رضا بهلوي، نجل الشاه محمد رضا بهلوي، معلنا أنه أصبح أكثر اقتناعا بأن الدول الغربية الأوربية وأمريكا لا تنوي معاقبة المعممين الإيرانيين الجلادين.

فقد أعلن أن “الديموقراطيّات الغربية تطعن الناس في الظهر“، مستدلا على ذلك برفضها مقاطعة الرئيس الجديد، إبراهيم رئيسي، وبإرسالها مندوباً عنها لحضور تنصيبه، رغم إقرارها المعلن بأنه “جزار ومجرم وستتمّ محاكمته يومًا ما لارتكابه جرائم ضدّ الإنسانيّة“، معتبرا مشاركة الإتحاد الأوروبي في مراسم تنصيب رئيسي خطوةً يمكن أن تمنحه “شرعيّة لا يستحقّها“.

وقال إن “النظام منقسم وهشّ وعلى حافة الهاوية، ولكن إذا ألقينا له طوق نجاة فسيلتقط أنفاسه، ويعيش لفترة أطول قليلاً”.

إذن فالمنطقة لن تشهد حربا، من أي نوع وبأي حجم، لأن أمريكا لا تريدها، ولأنها لن تسمح لحليفتها إسرائيل بأكثر من بضع عمليات عسكرية محدودة محتملة، من باب رفع العتب، وستمنعها من توجيه ضربات انتقامية موجعة تهدد بقاء النظام الإيراني، بحق، وذلك خوفا منها من أن تدفعه تلك الضربات أكثر إلى الحضن الصيني، وأملا في استدراجه ليعود إلى طاولة مفاوضات فينا من جديد.

رغم أنها تعلم بأنها بهذا تعطي رئيسي هدنة مريحة هو أحوج ما يكون لها ليتفرغ لـ”تحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي للإيرانيين”، الذين وعدهم، خلال خطاب التنصيب،  قائلا، “وضعنا خطة تطور فورية وقصيرة المدى”، و”أؤكد للشعب أن المشكلات محددة، ومخطط لها جيدًا، وسيتم متابعتها على الفور”.

ومن هنا، تحديداً،  يمكن التنبؤ ببقاء الحال على حاله في العراق وسوريا واليمن وعموم المنطقة، ويصبح سهلا رؤية شكل العلاقة الإيرانية مع العراق، في الفترة القادمة.

فحين يعبر رئيسي في لقائه مع الرئيس العراقي عن “تطلع بلاده لتعزيز العلاقات الثنائية مع العراق في مختلف القطاعات”، وحين يجدد حرصه على”علاقات مهمة ومميزة اجتماعية ودينية وثقافية”، ويعد بـ “دعم الجمهورية الإسلامية في إيران لأمن واستقرار العراق وشعبه” فهذا يعني أن على العراقيين أن يتوقعوا أياما أكثر تجويعا وإذلالا، وأوسع نهباً وتهريباً لأموالهم وثرواتهم، باعتبار أن العراق كان وسيبقى الضرع المغذي الأفضل والأقدر على إسعاف الحكومة الإيرانية الجديدة، وإعانتها على معالجة الأوضاع الاقتصادية والأمنية المعقدة في إيران.

يقول كبير المستشارين العسكريين للمرشد الإيراني، اللواء يحيى رحيم صفوي، علناً، وبلا حرج، إن “تدخل إيران في سوريا والعراق لم يكن مجاناً، بل إنه بثمنٍ مالي“، “ففي  كل مرة كنا نساعد فيها العراقيين، نحصل على المال بالدولارات”،  “نحن نساعد كل بلد مسلم وغير مسلم يريد ذلك، لكننا نقبض الأموال مقابل ذلك”.

ونقلَ عنه موقع (إيران إنترناشيونال) قولَه، “أعطينا فينزويلا البنزين واستلمنا مقابلَه سبائك ذهبية وجلبناها بالطائرة كي لا تحدث مشكلة في الطريق”.

إذن، فادّعاء نظام الولي الفقيه بأنه “يريد إخراج القوات الأمريكية من العراق دفاعا عن السيادة الوطنية وعن حقوق الحكومة العراقية”، كذبٌ ونفاق. وحتى موعدٍ مؤجَّلٍ بعيد.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *