العراق في طريقه نحو حرب أهلية.. يجب ألا تستغل واشنطن الوضع

العراق في طريقه نحو حرب أهلية.. يجب ألا تستغل واشنطن الوضع
آخر تحديث:

بقلم:حسين عبدالحسين

بعد عشرة أشهر من هزيمة الكتلة العراقية الموالية لإيران في الانتخابات البرلمانية العراقية، وبعد أيام من إعلان رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر تقاعده من الحياة السياسية، يبدو أن الوضع المتأزم بين الشيعة الذين يعارضون طهران ومن يدعمونها يقود البلاد نحو حرب أهلية، وكل ذلك يمثل نصف الصورة فقط.هناك نمط يربط بين سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران والحروب الأهلية في الشرق الأوسط، فكلما عرضت واشنطن الدول العربية كغنائم لإيران مقابل تجميد تخصيب اليورانيوم، فإن تلك الدول العربية نفسها – التي عادة ما تضم عددًا كبيرًا من الشيعة – تكون ضحية صراع وحروب، وحدث ذلك في لبنان عام 2008، وفي العراق واليمن عام 2014، ويحدث مرة أخرى في العراق.

وسبقت الحروب الأهلية السابقة في الشرق الأوسط مزاعم في واشنطن بأن احترام المصالح الإيرانية في المنطقة هو مفتاح السلام، ويتم تقديم تلك الحجج اليوم من قبل نفس القادة الأميركيين، لكن هذه المرة يملك هؤلاء القادة مفاتيح البيت الأبيض.وانسحبت القوات الأميركية من العراق في عام 2012، وكان وزير الخارجية أنتوني بلينكن في ذلك الوقت يعمل مستشارًا للأمن القومي لنائب الرئيس آنذاك جو بايدن، وأشرف بلينكن على حقيبة إدارة أوباما الخاصة بالعراق، مما جعله مسؤول البيت الأبيض الأكبر في شؤون العراق. وفي خطاب ألقاه في شهر مارس من عام 2012، قال بلينكن إن “العراق وإيران سيكونان حتماً أكثر توحدا مما نرغب فيه، وأكثر مما يرغب جيران كلا البلدين”. وبينما اعترف بأن غالبية قادة العراق كانوا يرفضون النفوذ الخارجي، بما في ذلك إيران وبشكل قاطع، إلا أنه لم يقل إن الولايات المتحدة ستساعدهم في تلك المقاومة.

وفسرت طهران تلك التصريحات على أن واشنطن تعطي لها الضوء الأخضر للتصرف كما يحلو لها في العراق، وجاءت في خضم حملة من قبل رئيس الوزراء العراقي آنذاك نوري المالكي للخلاص من السنة وإقصائهم من السلطة، وتزامنت أيضًا مع صعود داعش والسيطرة النهائية على منطقة الشمال الغربي في عام 2014، وتبع ذلك حرب عراقية، حيث قادت أميركا تحالفًا عالميًا ضد جماعة داعش.وتعتبر الغالبية في كل من العراق وإيران من الشيعة، وهو ما دفع طهران إلى محاولة استخدام المذهب الشيعي لتجاوز الانقسام الوطني، وتركيع العراقيين، وجعلهم يبايعون المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي.

لكن لم ينصع الجميع، حيث أثبت معظم شيعة العراق أنهم وطنيون، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والمذهبية، وبالتالي فقد عارضوا هيمنة طهران على بلدهم، وعبّر هؤلاء العراقيون عن شعورهم عندما هزموا النواب الإيرانيين الحاليين في الانتخابات البرلمانية في شهر أكتوبر، مما أدى إلى تقلص الكتلة البرلمانية الموالية لطهران إلى 15 عضوا من 75.وحاول التحالف الموالي لإيران، الذي فقد أغلبيته، نسف نتائج الانتخابات لكنه فشل في مسعاه، ثم سعى للقضاء على النصاب البرلماني، ولكن تشكلت أغلبية مناهضة لإيران، وفي شهر يناير أعيد انتخاب رئيس البرلمان المناهض لطهران محمد الحلبوسي.

وعندما كانت الأغلبية المناهضة لإيران على وشك انتخاب رئيس وتعيين رئيس للوزراء، أقنعت الكتلة الإيرانية المحكمة العراقية العليا بتجاهل القواعد الديمقراطية وإعلان أن الأغلبية العظمى من الثلثين مطلوبة لاكتمال النصاب القانوني لانتخاب رئيس للوزراء وتشكيل مجلس الوزراء، وفي الأنظمة البرلمانية، كما هو الحال في بريطانيا وإسرائيل، لا يُطلب سوى أغلبية بسيطة للحكم، والأغلبية العظمى هي للقرارات الكبيرة مثل التعديلات الدستورية.ومع استمرار حالة الجمود في العراق، اكتشفت الكتلة الإيرانية حيلة أخرى بفضل ضعف خصومها وقلة خبرتهم، وتمنّى الصدر خلق فوضى من خلال إجبار الكتلة الإيرانية على إصدار تعليمات لكتلته المؤلفة من 73 نائبا، وهي الأكبر في البرلمان، بالاستقالة، لكن بدلًا من خلق فوضى لصالح الصدر، اختار التحالف الموالي لإيران مرشحيه الخاسرين كبديل، وحصل على الأغلبية، ثم غيّر حلفاء طهران موقفهم من الإصرار على أن أيّ شيء أقل من حكومة وحدة وطنية سيؤدي إلى حرب أهلية، إلى تسريع عملية انتخاب رئيس وتشكيل حكومة بغض النظر عن كتل الأقليات.

ولوقف مسيرة إيران نحو السلطة المطلقة في العراق، تُرك للصدر أداة واحدة وهي: النزول إلى الشارع، حيث أعلن يوم الاثنين 29 أغسطس الماضي “انسحابه النهائي” من السياسة، مما أثار احتجاجات دامية من قبل أنصاره، ولكن باستخدام تلك الورقة، لعب الصدر عن غير قصد لعبة طهران المتمثلة في وجود جهات فاعلة غير حكومية تحكم باستخدام القوة الغاشمة، كما هو الحال في لبنان واليمن.بخلاف لبنان واليمن، لا تملك إيران الحق الحصري للشيعة، وإن الحرب الأهلية في العراق قد لا تسير كما تحلو لإيران، بل قد تطول، وتهدد العراق وربما توقف تصديره لـ4 مليون برميل من النفط يوميًا، مما يهز الاقتصاد العالمي الذي يعاني بالفعل من نقص الطاقة بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا.

ولكن كمكافأة لإيران على موافقتها لإحياء الاتفاق النووي، قد تعرض واشنطن مرة أخرى العراق كجائزة لطهران، وإحدى الطرق التي يمكن لأميركا أن تفعل ذلك من خلالها هي حرمان ميليشيات الصدر وقوات الحكومة العراقية من السلاح، مع السماح لميليشيات طهران بتلقي كل الدعم الذي تحتاجه لكسب الحرب.العراق على وشك الانزلاق في حرب أهلية يمكن أن تمتد إلى ما وراء حدوده، ومثل تلك الحرب ستهز المنطقة والاقتصاد العالمي، وعلى واشنطن التفكير جيدًا في أن موضوع اندلاع حرب أهلية عراقية هو بمثابة تهديد لمصالحها الوطنية والسلام العالمي، وليس كمكافأة يمكن أن تغري إيران للتوقيع على اتفاق نووي.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *