العزير وعزرا وسلمى

محمد غازي الاخرس 

أعود لحكاية عزرا اليهودي وحسين العبادي لأتحدث اليوم عن تعرف أحدهما بالآخر، ومن ثم تعرف الثاني بسلمى ورجينه ابنتي عزرا. يقول عبد الحميد الكنين ان الرجلين التقيا أثناء اقامة «العيد الفطير» الذي كان يقام في مقام العزير في ميسان. وحدث ذلك في الربع الأخير من القرن التاسع عشر. لعل حسين كان شاعرا شهيرا حينها، ولربما إليه يعزى ظهور الأبوذية التي يزعم «الكنين» أنها ربما كانت تسمى «عبودية» أو «عبادية»، ثم حوّرت لتكون «أبوذيه». القرينة على هذا الافتراض أن ظهور الابوذيّة حدث في سنوات شهرة حسين في الجنوب. وكانت قد انتشرت قبلها فنون أخرى مماثلة شكليا كالميمر و «المعنه» و «الهات». ولدى الباحث كامل سلمان الجبوري افتراض جدير بالانتباه، بهذا الصدد، يقول فيه إنّ الأبوذية أزاحت تلك الفنون شيئا فشيئا إلى أن انتصرت نهائيا في الربع الأول من القرن العشرين. وهذا يخالف تماما الافتراض المعروف من أن الأبوذية هي امتداد لفن الدوبيت العباسي.المهم ان لقاء الرجلين كان عند مقام «العزير»، والعزير من أنبياء بني اسرائيل ارتبطت به الحكاية الواردة في القرآن عن إماتته مئة عام ومن ثم بعثه. ويقال إنه من ذرية هارون بن عمران، ويقع مرقده بميسان في الناحية المسماة باسمه «العزير». ومما توارد بشأنه أن والي بغداد أحمد باشا أمر بإعادة بناء مرقده وكسا قبته بالقاشاني الأزرق سنة 1150 هـ ، ثم أعيد البناء سنة 1904، وقامت حوله بلدة صغيرة اعتاشت اقتصاديا على زواره وهذه ظاهرة معروفة في العراق. يقول عبد الحميد الكنين إنه كانت تقيم بجوار مرقد العزير جالية من اليهود زاول كل منهم حرفته التي درج عليها في محل اقامته الأولى، فتجد البزاز والقزّاز والبقّال والعطّار. وكلهم منسجمون مع محيط القرية «من ناحية اللباس واللهجة بحيث لا تكاد تفرق اليهودي عن غيره بالملبس حين تراه مكتسيا الكوفية والعقال ومرتديا العباءة والدشداشة. ولا تميزه عن غيره حين تكلمه ويكلمك بلهجة معدان ذلك الريف».المهم أن عزرا الذي لقبه معدان تلك الأنحاء بالـ«يهودي» كان يعيش قريبا من المرقد، وكانت معه ابنتاه سلمى ورجينه اللتان توفيت أمهما في صغرهما. ويبدو أن عزرا تأثر بأمير الأبوذية حسين العبادي الذي كان يأتي من الجبايش ليستمتع بـالعيد «الفطير» شأنه شأن الكثيرين. وهناك تعرف بالعائلة اليهودية، وربما أحبّ سلمى التي ترد في بعض أبوذياته كقوله: روحي بسكم ونياحه سلوها.. أحباب اللي يودوها سلوها.. سلمى اللي سبت كلبي سلوها.. بيا مذهب تحل ادماي هيه؟ انتظروا بقية الحكاية.