العملية السياسية في العراق.. خطأ مطبعي أم خطأ في التحرير

العملية السياسية في العراق.. خطأ مطبعي أم خطأ في التحرير
آخر تحديث:

 بقلم:حامد الكيلاني 

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اتصل هاتفيا برئيس وزراء العراق حيدر العبادي ليجدّد دعم بلاده للسلطة الاتحادية وحقها في فرض الأمن والسيادة على كافة أراضيها. جاء ذلك بعد يوم واحد من لقائه رئيس حكومة إقليم كردستان نيجرفان البارزاني ومطالبة الرئيس ماكرون أثناء المؤتمر الصحافي بحل الحشد الشعبي وحصر السلاح بيد الدولة.

أثارت كلمات الرئيس ماكرون غضب زعيم حزب الدعوة الحاكم في العراق، نوري المالكي، الذي ردّ بطريقة التنبيه على أن الدستور الفرنسي يرفض التدخل بالشؤون الداخلية للدول الأخرى؛ وكذلك فعل النائب الأول لرئيس مجلس النواب العراقي همام حمودي، من الكتلة الطائفية الأكبر والذي تولّى رئاسة لجنة صياغة الدستور العراقي، بتنبيه الرئيس ماكرون بأنه لولا الحشد الشعبي لكان تنظيم داعش الآن في قلب باريس.

ردود الفعل توجز مخاطر المرحلة السياسية المقبلة في العراق، لانتهاء شماعة الإرهاب وداعش التي علقت عليها حكومة حزب الدعوة أسباب تأخير الإصلاح والإعمار والاستقرار بما فيها من استنزاف لموارد النفط منذ الاحتلال الأميركي وحتى حاضر الصراع المحموم على مصير العراق في الانتخابات المقرّر لها أن تجرى في مايو 2018.

معالم الدفاع عن الحشد الشعبي واستمراره بفصائله والمصنفة على قائمة الإرهاب ومن ضمنهم مطلوبون للأنتربول، ستكون من أولويات كتلة المالكي “العابرة للطائفية” أو كما يدعونها بالكتلة السياسية الأكبر، كل هذا ونحن على مشارف الانتخابات.

أي أننا بصدد ازدحام ميليشياوي على مقاعد البرلمان القادم. ازدحام حتى بين الفصائل الميليشياوية وقادتها على عدد الكراسي وتوقعاتها. الجانب الآخر يترقب الصراع الأميركي الإيراني وإلى أين سيتجه بعد رسالة مايك بومبيو، مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية، إلى قاسم سليماني قائد فيلق القدس والتي قيل إنه رفض فتحها، ومحتواها تحذير من أيّ مغامرة إيرانية في الهجوم على المصالح أو القوات الأميركية في العراق.

المالكي وقادة المشروع الإيراني في العراق لم يتوقّفوا يوما أمام سيل التجاوزات للمسؤولين الإيرانيين وما وصلت إليه من استهانة بكرامة العراق وسيادته عندما أعلنوا إن بغداد عاصمة لإمبراطوريتهم. من لا يعتبر ذلك تدخلاً في الشؤون الداخلية هل يحق له أن يتحدث باسم العراقيين ويرد على الرئيس الفرنسي لمجرد أنه طالب بحل الحشد الشعبي لأنه صورة فاقعة للميليشيات وواجباتها خارج نطاق القوات الرسمية؟ وهل يحق له أن يحمل الجنسية الوطنية التي تؤهله للترشح إلى الانتخابات النيابية؟

حكومة حزب الدعوة اتضح أنها تتمادى بمعاقبة إقليم كردستان بحسابات من بينها تعريف البيشمركة كقوات غير نظامية تحسبا لأي مواقف دولية تستهدف الميليشيات الإيرانية؛ ولوضع خط صدّ أوّلي لاحتمالية إصدار فتوى من ذات المرجعية المذهبية لإنهاء ما ترتّب عن الفتوى السابقة والتي بموجبها تم سَوْق الشباب بالآلاف في الميليشيات والتضحية بهم، خاصة وأن المرجع الديني علي السيستاني التقى يان كوبيتش الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، ولا بد أنه أطلعه على توجّسات المجتمع الدولي من دور الميليشيات بعد نهاية مرحلة داعش.

النظام السياسي في العراق رغم الانتشاء بالقضاء على داعش وتنفيذ مآرب المشروع الإيراني، إلا أنه نظام بات مكشوفا في فساده المالي والأخلاقي بفضائح لا يمكن أن تسترها أو تغطّيها مصارف الوعود بوطن وسيادة ومستقبل زاهر لأبنائه.

تبادل التهاني بالانتصارات على داعش بين المرشد خامنئي وجنراله سليماني قبل بيانات الدولة العراقية، يفسر تباهي حكومة بغداد الاتحادية بالدم العراقي المسفوح من المقاتلين أو من الأبرياء المدنيين، فالمعادلة تعني الانتقال إلى مرحلة تالية من التسليم للمشروع الإيراني باحتواء العراق كجبهة دفاع عن أراضيه وأيضاً جبهة هجوم وانتشار لصادراته المذهبية والعقائدية المعلنة على لسان قادته في حلم الوصول إلى الإرهاب العالمي الفاعل في كل مدن العالم لأنه يعجّل بتنفيذ رؤيا ووصية الوليّ الفقيه الخميني.

مقتل الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح بتداعياته السياسية والميليشياوية مثال على ما يمكن أن تسفر عنه الاعتراضات على بقاء ميليشيات الحشد الشعبي في العراق بتغوّلها المسلّح وتجهيزاتها للانتخابات البرلمانية.

مظاهر استلاب المجتمع العراقي والدولة العراقية من قبل نظام سياسي ينافق الديمقراطية والتعددية والحريات والشفافية، تجسدت في هيستيريا اللقاء الصحافي الذي أجرته جريدة “الصباح” وهي جريدة تابعة للحكومة والنظام الرسمي للدولة. لقاء مع رئيس هيئة النزاهة حسن الياسري الذي أفشى فيه إحالة ملفات نواب رئيس الوزراء السابقين، أي نواب نوري المالكي، إلى القضاء بتهم فساد ونعني بهم صالح المطلك وروز نوري شاويس وبهاء الأعرجي، لكن الجريدة وفي غفلة من تحريرها نقلت الخبر “نواب الرئيس” بدلا من نواب رئيس الوزراء السابقين، وقدمت للقاء في صفحتها الأولى مع إشارة لذات المضمون.

مجلس القضاء الأعلى اطّلع على مضمون الخبر ونفى رسميا استلامه أي ملفات عن نواب الرئيس، وبعد تداول الخبر في وكالات الأنباء تضخم سياسيا في ردات فعل متشنجة من نواب الكتل والمكاتب التابعة لنواب الرئيس في استغلال متعدد الأغراض نتيجة للتوقيت الانتخابي لترسيخه كمحاولة للتسقيط السياسي من قبل أدوات رئيس الحكومة حيدر العبادي، ولو بالتلميح.

لم تهدأ الأمور وتفاقمت بطرد وإيقاف 3 من العاملين في القسم السياسي في الجريدة عن العمل وإحالتهم إلى التحقيق؛ ورغم الاعتذار من الصحيفة ونشر النص الأصلي إلا أن “الخطأ المطبعي” كما ورد في تصريح عباس الموسوي مستشار نوري المالكي كان مقصودا، ولدى خالد المفرجي مستشار أسامة النجيفي تحول خبر الحرب على الفساد إلى منحى للتسقيط السياسي.

الغريب أن نواب رئيس الوزراء السابقين تأخّروا في الرد على إحالة ملفاتهم إلى مجلس القضاء. كل دلائل اتهام نواب الرئيس تصبّ في حقيقة استبيان شعبي لذاكرة جمعية تتهم معظم المشاركين بالعملية السياسية بسرقة المال العام وحماية مافيات الفساد والعصابات الاقتصادية والميليشيات؛ لأن الحقائق مدعومة بالوقائع وبتداعي وتراجع العراق بمعايير الأمن واحترام حقوق الإنسان في الاستبيانات العالمية.

حرية الصحافة في العراق خطأ مطبعي مستدام لحريات مفقودة في الحياة العامة، وهي مجيّرة برسم الخدمة لتوجهات المشاريع السياسية وقادة الأحزاب لأنها صحافة مفروغ منها تروّج لهم ولأحزابهم، ولذلك فإن قادة حزب الدعوة لا يبالون بما يصدر في الإعلام الخارجي إلا بما يقوّض جرائم مشروعهم الميليشياوي في العراق، إذ لا شيء يستفزهم إلا حلّ الحشد الشعبي أو تقليب صفحات ملفات فسادهم وجرائمهم بحق الإنسانية.

صحف كثيرة صدرت في العراق بعد الاحتلال اختفت وظلت صحافة الأحزاب النافذة فقط، رغم أن الأحزاب المترشحة للانتخابات المقبلة تتجاوز 150 حزبا وكيانا ومن النادر أن تجد في الصحافة العراقية مقالا للرأي حتى في الجريدة المهنية للصحافيين.

الحقيقة تكمن بما يدور خارج ما هو مسجل أو مصور، فلماذا يتخوف نواب البرلمان والمسؤولون في العراق من الأحاديث الجانبية ولماذا يستشعرون أن ثمة جهاز تسجيل يترقبهم ثمنه مدفوع من حزب أو كتلة أو من زعيم ميليشيا أو ربما خطأ مطبعي.

 

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *