القدس وأميركا ونحن وإيران

القدس وأميركا ونحن وإيران
آخر تحديث:

 بقلم: إبراهيم الزبيدي

وأخيرا حدث الذي كنا نخشى حدوثه، لأنه يفضحنا ويكشف للعالم كذب أشعارنا وكتاباتنا وهتافاتنا وأغانينا عن الشرف والشهامة والإباء. فعلها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وصفع كل مواطن عربي، كبيرا وصغيرا، بيده ولسانه وقلمه العريض.وبكل أمانة وصراحة نعترف بأن أمتنا العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة أمة عاجزة، ومقعدة، ولا تجرؤ على رد.

وإنصافا يمكن القول إن لكل واحد من شعوبها وحكوماتها أسبابه الخاصة القاهرة التي تجبره على لفلفة الفضيحة، بأي عذر، وتجعله يكتفي بالتظاهر والاحتجاج والتهديد والوعيد، ثم تمر سحابة الصيف الجديدة كما مرّ غيرها من عشرات السنين.

وفي تمحيص دقيق ومنصف لما حدث لهذه الأمة منذ قيام إسرائيل وحتى قرار ترامب نجد أن إيران الشاه وإيران الخميني وإيران خامنئي تتحمل ثلاثة أرباع أسباب ذلك العجز والضعف والتمزق والهوان.

حتى أن لجوء عدد من حكومات العرب إلى الحضن الأميركي غير الدافئ وغير الأمين كان اضطرارا واحتماء من طوفان الرغبة الإيرانية الجامحة الدموية العنصرية الطائفية في احتلال عواصمها، وضمها مستعمرات جديدة تلحق بالعراق وسوريا ولبنان واليمن تحت عباءة الولي الفقيه.

والأكثر إيلاما أن الحجة الأقوى والوحيدة لتصميم النظام الإيراني على غزو العواصم العربية وإسقاطها هي من أجل تحرير فلسطين وحماية القدس، وأولها كان في حرب الخميني مع نظام صدام لاحتلال العراق والانطلاق منه إلى ما وراءه.

وحين نهبط عميقا في تحليل الظروف الحقيقية التي مكنت، أو سهلت لإيران اندفاعتها ونجاحها في كسر رقبة بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، وتهديد البقية الباقية من العواصم العربية التي تمكنت من صد محاولاتها، وانشغلت بحماية نفسها من طوابير الجهاد الإيراني (المقدس)، نجد أن أميركا، ومعها ضمنا إسرائيل، أساس هذا الطموح الإيراني، وأهم العوامل المساعدة على نجاحه في بعض أقطار المنطقة.

وكان أوضح أشكاله في الغزو الأميركي للعراق حين أقدم الأميركان على تسليم الدولة العراقية، بقضها وقضيضها لسياسيين عراقيين تعلم أكثر من غيرها بأنهم وكلاء إيرانيون، وتدري أعمق من غيرها بماذا ستفعل العمائم المسلحة بالغاز السام والقنابل والمفخخات بما بقي لأمة العرب من قدرة على مواجهة الأهداف التوسعية الإسرائيلية المبيتة.

وليس قرار ترامب الجديد بجديد. والذي يعيش في أميركا يدرك أنها، منذ أكثر من قرن من الزمان، محكومة باليهود ووكلائهم الأميركان، وهم الأقوى، والأكثر تأثيرا على من يسكن البيت الأبيض وغيره من دوائر الفعل السياسي والاقتصادي والثقافي والإعلامي والعسكري الأميركي الهائل الخطير.

حسنا إذن. فلم يبق للقدس وفلسطين، وهذه هي حال الأمة العربية، سوى الجمهورية الإسلامية الإيرانية الأقوى والأقدر والمصممة على محو إسرائيل. تُرى مَن من قرائنا الكرام يستطيع أن يحصي عدد الخطابات التي هدد فيها الولي الفقيه وكبارُ قادة جيوشه ومخابراته وميليشياته بمحو إسرائيل؟ وكم مرة هتف، هو ومئات الآلاف من المتظاهرين المتعلقين بأذياله، “الموت لأميركا وإسرائيل”؟

وفقا لوكالة تسنيم الإيرانية، فاجأنا مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية، علي أكبر ولايتي، بأن المواجهة مع أميركا آتية لا ريب فيها، قائلا “إن الولايات المتحدة تريد الاحتفاظ بمدينة الرقة، لكنها ستُطرد منها كما حصل في مدينة البوكمال“.

وشبّه ولايتي الوضع في الرقة بمعركة “صفين” التي وقعت بين جيش علي بن أبي طالب وجيش معاوية بن أبي سفيان سنة 37 هـ فقال إن “هذا ما يحدث اليوم في الشام والعراق. فالرقة اليوم هي صفّين الأمس التي يريد الأميركيون أن يؤسسوا فيها 12 قاعدة عسكرية، وأن يرسلوا 10 آلاف من قواتهم إلى هذه المنطقة من أجل الاستمرار في مخططاتهم”. إذن فإن صفين في الرقة. وأما التغني بمحو إسرائيل فأمر آخر مؤجل إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *