الكاظمي ويمننة العراق

الكاظمي ويمننة العراق
آخر تحديث:

بقلم:انس محمود الشيخ مظهر

الاستعراض الذي جرى في بغداد قبل ايام من قبل المليشيات المسلحة تتجاوز ابعاده اهانة المؤسسة الرسمية العراقية , او تحدي السلطات التنفيذية والتشريعية في البلاد , بل كان (بروفا) حقيقية على قدرة تلك المليشيات لتنفيذ انقلاب عسكري والسيطرة على العاصمة , وجس نبض ردود المؤسسة العسكرية والامنية على هكذا تحرك لو حصل مستقبلا .

ومع ان هذا الاستعراض يندرج تحت بند تهديد الامن الوطني ويفترض احالة المسؤولين عنه الى المحاكم العسكرية , فقد تعاملت المؤسسة الحكومية مع ذلك الحدث بروح رياضية عالية وعلى مبدا ( اللافعل) , فخرجت البيانات الرسمية والحزبية والامنية بشكل ( كيوت) , جدا اعطت مؤشرات لامكانية الفصائل السيطرة على العاصمة في اي وقت تشاء بسهولة ويسر .

لقد اعاد استعراض بغداد للذاكرة ما جرى في اليمن قبل سنوات , حينما دخل الحوثيون صنعاء وسيطروا عليها دون مقاومة من الاجهزة العسكرية والامنية اليمنية , لتبدا بعدها حقبة حكم الحوثيين , رغم انهم لا يمثلون الاغلبية في اليمن , ولا يتجانسون مع محيطهم الاقليمي …

فهل بدات بوادر حكم محور المقاومة للعراق وسيطرته على بغداد ؟

في الحقيقة ان المليشيات المسلحة هي من تتحكم بالعراق منذ سنوات , لكنها تفعل ذلك من وراء حجب , لوجود عراقيل تمنعها من رفع تلك الحجب والسيطرة على الدولة بشكل علني .. نذكر منها : –

– النفوذ الامريكي ( العسكري والسياسي) في العراق .

– التداخلات السنية الاقليمية مع الوضع العراقي .

ان اعلان محور المقاومة والممانعة استيلاءه على العراق رسميا (كما فعل الحوثيون) , يفقده الكثير من المكتسبات التي حصل عليها من الوضع العراقي الحالي , فحرية الحركة التي تتمتع بها المليشيات في كل مناطق العراق من شنكال الى الفاو , وربطها ايران مع سوريا ولبنان عبر الاراضي العراقية , تعتبر مكتسبات حصلت عليها تحت غطاء الدولة العراقية ومؤسساتها , وهو ما لن تستطيع القيام به في حال حكمها للعراق بشكل رسمي , خاصة في المناطق السنية , مما سيفقدها مرونة حركتها وتواصلها مع سوريا ولبنان , لذلك فهي تتحرك بحذر لتحقيق هذا الهدف باقل الخسائر الممكنة من خلال خندقين : –

الخندق المليشياوي الاول سياسيا وعسكريا

الاول : – الضغط السياسي من خلال البرلمان باتجاه اخراج القوات الامريكية وفرض جدولة انسحاب تلك القوات عبر الاتفاقية الامنية ( المحورة) المزمع توقيعها مع امريكا . كذلك الضغط العسكري من خلال قصف القواعد الامريكية وارتال معداتها العسكرية لاجبارها على المغاردة .

الثاني : – مسك ما تيسر لهم من الارض في المناطق التي تسهل لها التواصل مع سوريا ومنها مناطق شنكال وما حولها .

ومتى ما نجحت في اخراج القوات الامريكية من العراق وتحكمت بشكل نهائي بمناطق التواصل مع سوريا فلن تتاخر للحظة في اعلان سيطرتها سياسيا على العراق مثلما فعل الحوثييون في اليمن .

الخندق الثاني

لا يغيب عن المراقب ان الاستعراض المليشياوي الذي جرى مؤخرا سبقه استعراض اخر قامت به سرايا السلام التابعة للتيار الصدري , وما يميز سرايا السلام عن بقية فصائل محور المقاومة هو انه في الوقت الذي تقتصر فيه بقية الفصائل على الجانب العسكري فقط , فان سرايا السلام تجمع في يدها ثلاثة خيوط وهي , العسكري من خلال السرايا نفسها , والسياسي من خلال التيار الصدري , والديني من خلال السيد مقتدى الصدر .

من خلال هذا الخندق يمكن لمحور المقاومة السيطرة على العراق سياسيا بهدوء حتى في حال بقاء جزء من القوات الامريكية ( حسب ما ستسفر عنها مستقبلا نتائج الاتفاقية الامنية مع امريكا) , والتحضير لهذه الاحتمالية جار على قدم وساق منذ اعوام , من خلال خلق طرف سياسي يمتلك فصيل مسلح , يشارك في العملية السياسية , ويتمتع بتاييد عند شريحة واسعة من الشارع العراقي , ويطمح للفوز بمنصب رئاسة الوزراء . فباستلام هذا الطرف السياسي لرئاسة الوزراء , سوف يسيطر محور الممانعة على مجمل العملية السياسية قد تكون بادوات اخرى تختلف عن ادوات الخندق الاول , لكنها تصب في النهاية لتوجهات نفس المحور .

يفتقر الكاظمي الى الادوات الحقيقية لمواجهة انجراف العراق الى محور المقاومة والممانعة , فالرجل لا يملك نفوذا في البرلمان , وكل تحركاته هي من خلال نفوذ المنصب وصلاحياته فقط , اما بالنسبة للمسافة بينه وبين الدول الاقليمية فهي ابعد من المسافة بين اطراف سياسية منافسة وتلك الدول , وحتى مع امريكيا فهو يمر بمرحلة اختبار لم تصل الى مرحلة اليقين التحالفي , يضاف الى ذلك ان ساحة صراعه مع الفصائل هي ساحة ضيقة تتمثل في العاصمة فقط بما تحوي من نفوذ سياسي ومليشياوي كبيرين . من هنا فان الكاظمي يحتاج الى اطراف سياسية موجودة يستطيع الاعتماد عليها في هذه المواجهة , وبالطبع يجب ان تكون علمانية خارج الاحزاب الدينية الشيعية … فهل سيتمكن الكاظمي من ايجاد تلك الاطراف العلمانية التي يمكن له الاعتماد عليها للعبور بالعراق وتجاوز مرحلة يمننته ؟… هذه الاسئلة سنشهد الجواب عليها في الفترة الفاصلة بيننا وبين الانتخابات القادمة ( ان جرت انتخابات)

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *