الكيان الصهيوني يترنح

الكيان الصهيوني يترنح
آخر تحديث:

بقلم:إبراهيم الزبيدي

إن عنوان هذا المقال ليس من اختراعي، بل هو كلام الجنرال حسين سلامي قائد الحرس الثوري في إيران.في 2004 عبّر العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني عن تخوفه من وصول حكومة عراقية موالية لإيران إلى السلطة في بغداد تسيّرها العصا الإيرانية لتحقيق حلمها في إنشاء (هلال شيعي) عدواني يمتد إلى لبنان عبر سوريا فيخلّ بالتوازن القائم في المنطقة. ويومها جن جنون إيران وطوابيرها العربية الخامسة المعلنة والنائمة معا.ومن يعود إلى أرشيف صحافة تلك الأيام سيجد فيها طوفانا من مقالات وتصريحات تندد بالتصريح، وتتهم صاحبه، صراحة، بالطائفية، وبتفريق الصفوف. ثم جاءت الانتصارات التي حققها النظام الإيراني في العراق أولا، ثم في سوريا ولبنان واليمن، لتجعل قادة إيرانيين كبارا جدا يفاخرون بذلك الهلال، ويبشرون به، ويعلنون التمسك به، والعمل على توسيعه وترسيخه.من أولئك مثلا، محمد علي جعفري الذي كان يشغل يومها منصب قائد الحرس الثوري الإيراني الذي أعلن أن “تدخلات إيران في اليمن وسوريا تأتي في إطار توسيع خارطة الهلال الشيعي في المنطقة”.

واليوم، وبعد الغارة الإسرائيلية على سفارة النظام في حي المزة بدمشق، وقبلها وبعدها عمليات الاغتيال التي تساقط ويتساقط فيها أهم القادة الكبار في الحرس الثوري وحزب الله اللبناني والحوثيين، في سوريا ولبنان واليمن، نتبيّن أن أولئك القادة كانوا، وهم يتباهون بالهلال الشيعي، ويَعدون بجعله قمر 14، قد عَمُوا تماما عن رؤية المخاطر والعوائق العربية والإقليمية والدولية المخبأة القادمة التي كان محتما أن تنهض، في يوم من الأيام، أو شهر من الشهور، أو سنة من السنين، فتصيب ذلك الهلال بالتكسرات والتراجعات، وتصيبهم بالخيبة والخذلان، أسوة بجميع الهلالات الطائفية والعنصرية الأخرى التي لم يناسب وجودُها زمنَ العولمة والتقدم الحضاري السريع، خصوصا في القرنين العشرين والحادي والعشرين.

والمؤكد أن مظاهر التشفي الشعبي العربي التي ملأت مواقع الإنترنت بالمأزق الذي وضعت فيه الغارةُ الإسرائيلية على سفارة إيران في دمشق نظامَ الملا علي خامنئي لم تكن كافية لإيقاظه ليعرف أن هذا التشفي هو نتاج ما كان يزرع على مدى سنين.وفي هذا الوقت بالذات، والهلال يتلقى أقسى الضربات والهزائم والإخفاقات المذلة في اليمن وسوريا والعراق ولبنان، لم يعترف قادة النظام الإيراني، بمن فيهم المرشد الأعلى، بأن موسم هزائم النظام قد بدأ، وذلك خوفا من أن يُحبطوا أتباعهم ووكلاءهم العراقيين والسوريين واللبنانيين والحوثيين، ويَشفوا غليل خصومهم الكثيرين.وهاهم، كما كان منتظرا راحوا يتسابقون على إطلاق إعلانات النصر المؤزّر القادم الأكيد. ومن تابع التصريح الأخير للمدعو حسين سلامي قائد الحرس الثوري الإيراني لا بد أن يصاب بموجة تعجب من الوزن الثقيل.

يقول “الكيان الصهيوني اليوم يعيش على الإنعاش الأميركي والغربي، وإذا توقف هذا الإنعاش سيسقط هذا الكيان وهذا اليوم ليس ببعيد”. ويضيف “الكيان الصهيوني يترنح اليوم، وسيسقط وسيرضخ للمقاومة العظيمة في فلسطين”.أما آخر المبشرين بمحو إسرائيل فهو المدعو عبدالعزيز المحمداوي (أبوفدك) قائد أركان الحشد الشعبي في العراق. فها هو يعلن خلال مشاركته بمسيرة يوم القدس في بغداد أن “ما يحصل الآن في جميع محور المقاومة في اليمن ولبنان والعراق وفلسطين، وأيضا في الجمهورية الإسلامية، هو إعلان زوال إسرائيل، وننتظر بيان رأي السيد القائد”.

إن تصريحات نارية من هذا الوزن والنوع تضر بالنظام الإيراني ولا تنفعه، لعدة اعتبارات:

أولها أنها تعطي انطباعا بأنه، كله، من رأسه إلى أساسه، مصابٌ بهذيان الحمى، أو بعدم النضوج، وبالجهل في السياسة. لأنه، وفي هذه الأيام العصيبة بالذات، أحوج ما يكون إلى (التقية) لتهدئة خواطر الخصوم، ولكسب المزيد الوقت لالتقاط الأنفاس وتخفيف خسائر المآزق المتلاحقة التي تحاصره في الخارج، وفي الداخل، أيضا.

وثانيها أن هذا الخطاب المتكبر المبني على الأحلام يُذكّر الناس كثيرا بلغة محمد سعيد الصحاف الثورية النارية في أواخر أيام النظام، حين كان يخطب في ساحة الفردوس، وهو باللباس العسكري، مبشرا بانتصارات دامية للحرس الجمهوري على (علوج) الاحتلال الأميركي، وكاميراتُ تلفزيونات العالم تنقل للملايين من مشاهديها صور الدبابات الأميركية وهي تتدفق على مطار صدام وعلى جسور الأحرار والجمهورية والشهداء، وهو لا يدري، الأمر الذي جعله مضرب مثل في المكابرة والعمى السياسي والغرور.

وثالثها أن تصريحاتٍ من هذا النوع تفضح حقيقة أهداف النظام الإيراني وطموحه ومخططاته، وتكشف عن تصميمه على مواصلة سياسة التحدي والمكاسرة والتدخل في شؤون الدول الأخرى. كما تثبت أيضا أن دعاوى المقاومة والممانعة ومحاربة الاستكبار و(الموت لأميركا) وزوال إسرائيل ليست سوى أقنعة شمعية مائعة لا تخدع غير أصحابها من أبطال مواعدة العدو، في الوقت المناسب، والمكان المناسب، بدفع الثمن الباهظ.

ورابعها أنها توقظ في المواطن (الشيعي) العربي نباهته ووعيه، وتجعله يكتشف أن غلاة القوميين الفرس يستخدمون الخطاب المذهبي الشيعي لاستغفاله واستغلاله وتوظيفه لخدمة مشاريع الهيمنة الإيرانية القومية الفارسية على بلاده وأهله، حتى لو أدّى ذلك إلى التضحية بالآلاف من الشهداء والجرحى والمعوقين والمفقودين من أبناء الطائفة، قبل غيرها، وقطع أرزاقهم، وإنهاء وجودهم في الدول التي فتحت لهم خزائنها، وجعلت من الكثيرين منهم أثرياء وقادة وزعماء.

وخامسها أن تصريحات من هذا النوع تثبت أن النظام الحاكم في إيران يغزو وغيرُه عائد من غزو. فهو يصر على أن يتوسع، عسكريا، في زمن لم يعد مناسبا للتوسع في بلاد الغير بالبطش والقتل والحرق وتهديم القرى والمدن، وحرق المزارع، وتسميم الأنهار، وتهديد سلامة موانئها ومطاراتها الآمنة.

فنحن اليوم في زمن أجبَر دولا كبرى مؤهلة وقادرة على الغزو والاحتلال على ترك مستعمراتها، وإعادة جنودها إلى منازلهم سالمين، واستبدال الاحتلال العسكري ذي الثمن الباهظ، ماليا وسياسيا وبشريا، باحتلال آخر أنعم، ومغلف بالرغبة في التعايش السلمي واحترام إرادة الشعوب، ولكنه أشد فاعلية، وأكثر حنكة، وأنفع، وأقل كلفة. وها هي اليوم تتسابق فيما بينها على بيع مستعمراتها القديمة أطنانا من القمح والشعير والدواء، مع المدافع والصواريخ والأقمار الصناعية والهواتف الذكية وغوغل وياهو ومايكروسوفت وغيرها.أميركا تركت العراق يغلي، وخرجت من بابه بأقل الخسائر، لكنها تعود إليه اليوم من شبابيكه العديدة بثياب المحسن المتعاون الخائف على مصالح العراقيين، والراغب في حماية أرضهم من داعش، ولا تبخل عليهم بالطائرات والدبابات والموفدين العسكريين المتخصصين في التدريب والتأهيل وحماية القصور.

وها هم قادة محافظات العراق السنية الذين قتلوا بالأمس مئاتٍ من جنود الغازي الأميركي، باسم مقاومة الاحتلال، وبذريعة الدفاع عن الشرف الرفيع الذي أمرهم الله ورسوله بأن يُراق على جوانبه الدمُ، أصبحوا اليوم يتقاطرون على واشنطن، زرافات ووحدانا، ويُقبّلون أذيال بنطلون جو بايدن، طالبين منه سلاحا ومالا ومودة، ويعرضون عليه استعدادهم للتعاون معه على فصل محافظاتهم عن جمهورية نوري المالكي وهادي العامري وأبوفدك.وقد علَّمنا التاريخ أن جميع الإمبراطوريات الكرتونية التي لا يتحمل اقتصادها عبء مصاريف مستعمراتها وميليشياتها المرتزقة، والتي تتذلل وتتوسل الدولَ الكافرة الاستكبارية من أجل إعادة (بضعةٍ) من أموالها المحتجزة لديها مقابل التخلي عن أعظم أحلامها القومية المقدسة، لا بد أن تهوي سريعا، وأن تعود إلى أرضها مهزومة ذليلة، بعد أن بعثرت أموال شعوبها، وأرسلت الآلاف من أبنائها إلى الموت، دون جدوى ولا فائدة.إنهم، وهم يتلقون أخبار الهزائم المتلاحقة في اليمن وسوريا ولبنان والعراق، ما زالوا يمطرون شعوبهم وشعوب غيرهم بتصريحاتهم العنترية فيستنفرون أعداءهم، وهم كثيرون وقادرون، ويدفعون بهم إلى تجييش جيوشهم، وتوحيدها لكسر ذلك الهلال الذي لن يدوم.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *