اللعبة بدأت … بقلم رباح آل جعفر

اللعبة بدأت … بقلم رباح آل جعفر
آخر تحديث:

الحرية .. كلمة

في الدقيقة الستين من الساعة الرابعة والعشرين ، الثانية عشرة ليلاً بتوقيت دمشق التقينا في مكتب صديق عربي لقاء خاطفاً . كان انتهى من إجازة الصيف في انتظار الطائرة التي تعود به إلى مكان إقامته في دولة الإمارات العربية . وكنت في طريق العودة إلى بلدي . وفي لحظة مازحت الدكتور محمد الدوري بجملته الشهيرة التي شاعت في تلك الأيام : انتهت اللعبة !.

ابتسم السفير العراقي السابق في الأمم المتحدة قائلاً : بل قل إن اللعبة بدأت !. 

لم تكن دراما الربيع العربي قد بدأت ولا استبان الخيط الأبيض من الخيط الأسود . لم تكن في الأخبار مانشيتات تربك الحاكم وتزعجه . كل الأخبار كانت مبهجة والتقارير مطمئنة . فما الذي جرى ليبدو لي الدبلوماسي السابق ، كما لو أنه قارئ طقس لعواصف وأعاصير ستقلع العروش في المستقبل القريب ؟.

لم تكن الجماهير الثائرة في الميادين تعلو حناجرها بهتافات : ارحل . وبرايات ترتفع في أكفّها عالياً حيث الريح تخفق . ثم من مفارقات هذه التراجيديا أن الجماهير لم تجن من هتافاتها وتضحياتها إلا قبضة من ريح .

لم تكن خرائط الأوطان منقسمة إلى خرائط صغيرة بحافات سكاكين . والسكين تمشي في الزبد ، والحربة تغوص إلى أعمق من الخاصرة . لم تكن البنادق ترتعش في القبضات ، ولا الغنوشيّون تربّعوا عرش تونس الخضراء ، ولم يخطر في أحلام الإخوان المسلمين خيال أوسع من الإفراج عن قياداتهم في سجن طرة ، أمّا غنيمة حكم مصر فكانت حكاية من الأساطير .

لم تكن رياح الهجير في الصحراء الليبية قادرة على اقتلاع خيمة القذافي من أوتادها . لم يكن المواطن السوري يجسر أن يتسمّر في وجه رجل الأمن ، ولا كان التراب السوري غارقاً في مستنقعات من الدم . لم تكن الثعابين قد خرجت من جحورها وكهوفها في اليمن لتلدغ الرئيس علي عبد الله صالح في قصره . كانت الحياة السياسية هادئة ساكنة ، والزمان يمشي بظهره إلى المستقبل في عالم أصبح قرية .

ثمّ لم يكد يمرّ عام وعامان حتى انفتحت بقايا من آمال على زمن عربي جديد . خرجت أميركا مدمّاة بجراحها من العراق . حزم الرئيس زين العابدين بن علي أمتعته في حقائب ورحل . خلعت مصر مبارك دون أسف عليه لتنكفئ في فوضى لا تعرف نهايتها . اغتيل العقيد معمر القذافي وانطوت صفحته . فهم الرئيس علي عبد الله صالح اللعبة وغادر مكتبه لينجو بنفسه . بدأ التحصّن المذهبي في الإقليم من وراء المتاريس لتسود في المنطقة ثقافة طائفية . تحولت سوريا إلى عبوات ناسفة تنفجر في عيون أبنائها . انكسرت أضلاع العرب ضلعاً ضلعاً .

في ربيع 1989 كتب المفكر الأميركي ( فرانسيس فوكوياما ) رسالته الأشهر التي قال في صفحاتها عن نهاية التاريخ بنهاية الشيوعية ليكرّر الخطأ ذاته الذي وقع فيه الفيلسوف الألماني الجدلي ( هيجل ) عندما أعلن عن نهاية التاريخ بانتصار نابليون لصالح الثورة الفرنسية . لم ينته التاريخ . لم تنجل الغمّة عن هذه الأمة لأن الولادة القيصرية بالجراحة للأمة استدعت أن يكون المشرط أميركياً .

ما يهمّني من ذلك كله القول : إذا كانت لكل قصة نهاية ، فإنه لا بدّ من مشهد أخير لكل ما نراه يحدث أمامنا اليوم من سيناريوهات لطوفان يكتسحنا جميعاً . لا بدّ من اللقطة الأخيرة لتنتهي اللعبة !.

 

[email protected]

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *