المثقف وعشيرته

المثقف وعشيرته
آخر تحديث:

سلام مكي
بعد ان كان موضوع (المثقف والسلطة) محور دراسات وتنظيرات العديد من الكتاب، اصبح اليوم الحديث عن ( المثقف والعشيرة) محور نقاش جلسات بعض الأدباء، والشغل الشاغل لتفكيرهم، خصوصا اولئك الذين يحلمون بدولة مدنية، مجردة من الهويات الفرعية، لصالح الهوية الأسمى وهي: الهوية الوطنية. كتّاب كثر، تناولوا الموضوع من عدة جوانب، منتقدين ظاهرة العشائرية التي بدأت تطفو على سطح الاحداث، خصوصا بعد عزم مجلس النواب اقرار قانون العشائر. لكن ثمة حالات لمثقفين، لاذوا بعشائرهم، في محاولة منهم، للخلاص من مشكلة حاقت بهم. مثقفون، كانوا الى عهد قريب يحاربون العشائرية، ويدعون الى تجريد العراقي من كل انتماء عدا الانتماء الى الوطن، وترك الروابط والأواصر الاجتماعية الى مراحل أدنى من رابطة الانتماء الى الوطن. حالات كانت مواقع التواصل الاجتماعي شاهدة على احداها، حين شكر مثقف عشيرته لأنها استجابت لندائه، حين وقع في محنة، واستطاعت ان تقف معه الى النهاية للخلاص منها وهو ما حصل فعلا. مثقف آخر كتب عن العشائرية، بوصفها مرضا وآفة تهدد كيان المجتمع وتقوض وجود الدولة وسلطة القانون، لكن حين جاء موعد الانتخابات وقرر الترشيح، تخلى عن اسمه الأدبي وكتب في بوسترات الدعاية الانتخابية اسمه متبوعا باسم عشيرته.شاعر يشكو شاعرا آخر لأنه هدد اعضاء الاتحاد بعشيرته واهله اذا لم تمنح له هوية الاتحاد والاشتراك في المهرجانات والامسيات التي ينظمها الاتحاد. العشيرة هي كيان اجتماعي قائم، لا يمكن تجاوزه او الدعوة الى الغائه بشكل كامل، بل يجب ايجاد سبل لتحجيم دور العشيرة، واعلاء شأن القانون. وهذه مسؤولية المثقف نفسه، من خلال الدعوة الى الدولة المدنية ودولة المؤسسات. لكن ان يناقض المثقف نفسه، حين يشعر ان كل تنظيراته وكتاباته، لا تجدي نفعا امام المحنة التي يعيشها، لذا يقرر ان يخالف كل ما كان يؤمن به، ليتخلص منها. وهذا الأمر قد يكون بسبب ضعف الدولة وغياب القانون، الذي هو غريب عن المجتمع مثله مثل المثقف. لكن لو كانت الدولة قوية، والمثقف لديه ثقة بأنه لن يلجأ الى عشيرته التي طالما يحاول ان ينسى انها موجودة، ولا يفكر الا بالدولة ممثلة بمؤسساتها التي من واجبها تحقيق الأمن وقبل هذا اشعار المواطن بأنه تحت حمايتها وان عليه الا يلجأ الى اي مكان غير الدولة. عشيرة المثقف هي وطنه، ورأس ماله الرمزي المتمثل بالثقافة وما يملكه من قيم ومبادئ تجعله في مأمن من اي عاصفة اجتماعية قد ترمي بمن لا يملكها الى الفوضى والتطرف. لكن بالمقابل، يجب على الدولة ان تدعم المثقف، عبر فرض نفوذها وقوتها في المجتمع، فلا يعقل ان المثقف يكتب ليل نهار لأجل ان تسود الدولة بدلا من العشيرة والطائفة، وبالنهاية يكتشف المثقف ان الدولة التي دافع عنها وتعرض من اجلها الى المخاطر، غير قادرة على حمايته او حماية نفسها حتى. كما لا يستطيع المثقف ان يبقى صامتا، ازاء اندثار معالم الدولة وبالتالي، تشتت وضياع حلمه في بناء دولة حقيقية، يكون القانون فيها هو السائد. فهل على المثقف ان ينتظر حتى تستعيد الدولة قوتها، وتفتت الهويات الفرعية التي تكاد ان تطغى على مركزيتها، حتى يطمئن الى انه لن يضطر الى يوم يخالف فيه قناعاته، حين يلجأ الى عشيرته طالبا منها حل مشكلة، بعد تيقنه ان الدولة عاجزة عن حلها. ام يبقى مصرا على موقفه، في الدعوة الى دولة يحكمها القانون، بعيدا عن العشيرة والطائفة، حتى لو اضطره الأمر الى خسارة كبيرة، او ثمن باهظ يدفعه لقاء الاصرار على موقفه وعدم خذلان نفسه. هل المثقف العراقي على استعداد لأن يبقى ثابتا على موقفه حين يكتشف ان الدولة لن تقدم له اي شيء مثلما هو قدم لها، وان خياره الوحيد هو اللجوء الى عشيرته، طالبا العون منها لمساعدته في محنته ومشكلته وهو ما يحدث غالبا، اذ تنتفض العشيرة، بكل امكانياتها، وتذهب الى العشيرة الأخرى للتفاوض وحل المشكلة في غضون أيام دون خسائر بشرية او تقييد للحرية.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *