المغتربون العراقيون وصناعة القرار الأميركي

المغتربون العراقيون وصناعة القرار الأميركي
آخر تحديث:

بقلم:إبراهيم الزبيدي

فصل محرر مجلة “Chaldean News” الدكتور عضيد ميري تاريخ هجرة المسيحيين العراقيين إلى الولايات المتحدة، وحقيقة تأثيرهم في الواقع السياسي الأميركي، قياسا بجاليات أخرى عربية وإسلامية.فبين عاميْ 1910 و1947 هاجر عدد قليل من الكلدان (معظمهم من العراق) إلى الولايات المتحدة، وكانوا جزءاً من عصر الهجرة الجماعية التي جلبت الملايين من جميع أنحاء العالم إلى الولايات المتحدة التي كانت حينذاك في أمس الحاجة إلى العمال من أجل دعم اقتصادها المتنامي.

وكانت مدينة ديترويت تحظى بشعبية كبيرة بين مجموعات المهاجرين بسبب صناعة السيارات المتنامية، ووجود مجتمع شرق أوسطي يتكون أساسًا من المهاجرين المسيحيين الذين أتوا من لبنان وسوريا.وفي عام 1943 وَثّقت إحصاءات الجالية وجود 908 كلدانيين في منطقة ديترويت، وفي عام 1947 وَثّقت وجود 80 عائلة تعيش داخل حدود مدينة ديترويت.وبحلول عام 1963 تضاعف هذا العدد ثلاث مرات ليصل إلى 3000.ثم هاجر عدد أكبر من المواطنين العراقيين إلى الولايات المتحدة بسبب أحوال العراق السياسية وما تعرض له المسيحيون فيه من ضغوط واعتداءات وتهديدات خلال منتصف الستينات، الأمر الذي جعل نمو الجالية الكلدانية الأميركية في ديترويت أكثر دراماتيكية، حيث ارتفع العدد تدريجياً إلى 45.000 في عام 1986، و75.000 عام 1992، و160.000 في عام 2017 ليصل الى 200.000 حالياً في ولاية ميشيغان وحدها مع تدفق عدد غير قليل منهم إلى ولايات أميركية أخرى منها كاليفورنيا وأريزونا وتكساس.

لماذا لا تستخدم الحكومات العراقية والعربية جسور الجالية المسيحية العراقية للتواصل مع الدوائر العليا الأميركية، لإيصال رسائلها إلى صناع القرار الأميركي؟ويحرص المسيحيون العراقيون الأميركيون على الحفاظ على علاقتهم بوطنهم الأم، وتكريسها بهويتهم وثقافتهم ولغتهم وتقاليدهم وتراثهم.

فحين تدخل في تفاصيل حياة الكلدان العراقيين في محلات عملهم ومنازلهم ومؤسساتهم الثقافية والاقتصادية والخدمية ومقاهيهم ومطاعمهم ومتاجرهم لا يخامرك أي شك في أنك لم تغادر العراق، بل ربما تفاجأ بأنهم أكثر عراقيةً من الكثير من العراقيين داخل الوطن الأم نفسه، الذين لم يحافظوا على هويتهم الوطنية خصوصا في أعقاب الغزو الأميركي للعراق.ومع تزايد أعداد المهاجرين العراقيين ظهرت صحافتهم الأولى باللغة العربية، وقد اعتمد الجيل الثاني من الصحافيين في صحافته اللغتيْن العربية والإنجليزية. أما جيل الصحافيين الذي ولد في الولايات المتحدة ولا يتقن اللغة العربية فقد اعتمد اللغة الإنجليزية وحدها ولكن بروح عراقية خالصة.

ولكن محتوى الصحافة العراقية في المهجر ظل جزءا حيا من صحافة الوطن الأم.وما لم يقله الدكتور عضيد ميري عن الجالية الكلدانية العراقية هو أنها، في ميتشغان وولايات أميركية أخرى، أهم الجاليات الشرق أوسطية، وأنجحُها وأكثرها فاعلية وحيوية وتأثيرا في الحياة السياسية الأميركية، تليها في النجاح والأهمية جالية اللبنانيين المسلمين في ديربورن، وجالية اللبنانيين المسيحيين في شرق ولاية ميتشغان، والجالية الفلسطينية المسيحية التي ينحدر أغلب أعضائها من مدينة رام الله.

والذي ينبغي قوله هنا هو أن الجالية الكلدانية العراقية هي أكثر جالية اهتمت بتعليم أبنائها، وتمكينهم من امتلاك الخبرة والكفاءة والثقافة التي جعلت كثيرين منهم قامات شامخة مهمة ومرموقة ومؤثرة في المجتمع الأميركي، في مجالات السياسة والاقتصاد والتجارة.حتى أصبحت في عرف الدوائر السياسية والاقتصادية الأميركية أغنى الجاليات الشرق أوسطية بالعلماء والأطباء والمهندسين والسياسيين ورجال الأعمال الناجحين البارزين في المجتمع الأميركي.وهو الأمر الذي جعل من النادر أن يزور رئيس أميركي أو أي مسؤول أميركي كبير آخر المدينة دون أن يقصدها ويسعى لكسب ودها.كما أنها أصبحت مقصد الزوار الكبار القادمين من الوطن الأم والدول العربية الأخرى.

ومن أبرز زوار الجالية الكلدانية العراقية الأميركية وأهمهم المرحوم الملك فيصل الثاني، ووزراء وشخصيات عراقية أخرى، منهم الراحل سعيد قزاز آخر وزير داخلية في العهد الملكي، وطالب شبيب وزير خارجية العراق في عهد البعث الأول عام 1963.المسيحيون العراقيون الأميركيون يحرصون على الحفاظ على علاقتهم بوطنهم الأم، وتكريسها بهويتهم وثقافتهم ولغتهم وتقاليدهم وتراثهم وأهم الرؤساء والمسؤولين الكبار الأميركيين، جورج بوش الأب وباراك أوباما وهيلاري كلينتون وجو بايدن، يحرصون على زيارة الجالية الكلدانية في ميتشغان لكسب أصواتها.والرئيس السابق دونالد ترامب خاطب جمعا من رجال الجالية عند زيارته لهم فقال إنه يحبهم.

ويذكر أن أصواتهم كانت هي الفاصلة في فوزه في انتخابات 2016.ويقول رجل الأعمال الأستاذ عادل بقال إن المسيحيين العراقيين لم ينسوا عراقهم، ولكن عراقهم هو الذي نسيهم.ويعتب الكلدان العراقيون الأميركيون على وطنهم الأم، بغض النظر عن طبيعة الأنظمة التي تعاقبت على حكمه، لأنه لا يحرص على التواصل معهم أسوة بدول عربية أخرى تنشئ وزارات متخصصة في التواصل مع مواطنيها المغتربين، لإبقاء العلاقة متينة معهم، وللاستفادة من خبراتهم وقدراتهم وقوة تأثيرهم في السياسة الأميركية لخدمة قضايا وطنهم الأم.وقد أصدر رجل الأعمال الكلداني العراقي أيوب (جاكوب) بقال كتابا مهما باللغة الإنجليزية وثق فيه تاريخ الجالية المسيحية الكلدانية العراقية – الأميركية، بالوقائع والصور والوثائق، وهو مصدر مهم لمن يريد معرفة المزيد عن هذه الجالية العراقية النامية في الولايات المتحدة.والسؤال الأخير: لماذا لا تستخدم الحكومات العراقية والعربية جسور الجالية المسيحية العراقية للتواصل مع الدوائر العليا الأميركية، لإيصال رسائلها إلى صناع القرار الأميركي، خصوصا ما تعلق منها بمصالحها الوطنية المهددة دائما بالضياع؟

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *