المَوضَعة والرواية الواقعية

المَوضَعة والرواية الواقعية
آخر تحديث:

حسن السلمان
يشترط النص الروائي الواقعي، لكي يكون نصاً واقعيا، موضعة أركانه البنائية من مكان وزمان وحدث ووصف وتسمية وتعددية صوتية، فبدون موضَعة، أي بدون دلالة وتحديد وتشخيص وتعيين، سيفقد النص بعده الواقعي: (إذ يلزم المحكي ان يقول متى، كما يلزمه أن يقول أين، ومن، وماذا. فلا يرد الحدث السردي إلا مصحوباً بكل محدداته وإحداثياته، وبدون المعطيات الزمنية والفضائية مقترنة بغيرها، لا يتأتى بث الرسالة السردية). فعندما يصبح الزمن عائما، والمكان شاحبا ً ، والحدث غير مرتبط بدلالة، والوصف عابرا، والتسمية إشارة، والتعميم سمة عامة، يفقد النص الروائي بعده الواقعي، ونجد أنفسنا إزاء تهويمات، وتشبيحات، وسرد لفظي خال من أي قيمة.
 فلكي يتحدد شرط الواقعية في النص الروائي، والواقعية لا تعني على الإطلاق نقل الواقع على طريقة الاستنساخ،أو إعادة سرد علاقاته حرفياً، بقدر ما تعني الكشف عن حيثيات ومكنونات الواقع وعلاقاته وإشكالياته عبر منظومة من التمثيلات السردية ضمن إطار حكائي ما، يجب أن يكون هناك مكان مموضع بوصفه مسرحاً للحدث، كأن يكون مدينة أو شارعا ً أو أي مَعلم آخر، موسوماً باسم، ومعرّفا بوصف،  للإيحاء بواقعية ما يُسرد:( ذلك ان وقوع حدث من الأحداث يفرض تعيين موضع له، وما لم يأت ذكر المكان، يظل من المتعذر الشروع في المغامرة، او اختلاقها. ان المحكي يتأسس فيما يتموضع) .وبطبيعة الحال، ان موضعة الحدث مكانيا، تستدعي، موضعة زمنية، خارجية أو داخلية، او خارجية / داخلية، على حد سواء، ضمن فضاء النص. فالمكان وحدثه، خارج الإطار الزمني وبوصلته السردية، يبقى مجرد إشارة جغرافية لا تدل إلا على نفسها، من حيث ان الأشياء لاترد بحد ذاتها بقدر ماترد ضمن شبكة من العلاقات المتبادلة، وهذا يعني ان الـ ( أين/ المكان) ترتبط بالـ ( متى/ الزمان) لإضفاء البعد الواقعي، أو الإيحاء به  بشكل أدقّ على الـ ( ماهو/ الحدث) ومجمل صورة الرواية. وبطبيعة الحال ان التسمية تتعدى المكان إلى تسمية الشخوص والأشياء الأخرى، لما توحي به التسمية من إضفاء للبعد الواقعي او الحقيقة المعدلة للواقع بعد نقله من صورته كما هو / القياسية، الى صورته المفترضة.اما على مستوى التعددية الصوتية، فالموضعة  لازمة، بوصفها هنا، تحديدا ً او خروجاً عن التعميم، طالما نتحدث عن نص واقعي، والواقع كما هو معروف متعدد المستويات على صعيد الوعي، ومختلف على صعيد الطبائع الشخصية، وعليه لابد من ( موضعة حوارية ) تسمح بإيجاد اصوات متباينة تضفي على النص الروائي، بالاستناد والتعالق مع بقية الأركان البنائية للرواية ، بعدها الواقعي، الذي يسمها بالمصداقية والأمانة والإقناع. وطالما العملية، عملية اعتمادية بين اركان النص البنائية، فإن إهمال، او إغفال اي ركن سيخل بتوازن الرواية، ويجعل من ( واقعيتها) واقعية منقوصة ، مشكوكاً في سرديتها،حتى وإن جاءت بقية الأركان متينة عالية المستوى.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *