انفراط عقد التحالف العراقي الحاكم

انفراط عقد التحالف العراقي الحاكم
آخر تحديث:

بقلم: فاروق يوسف 

انهيار التحالف الوطني الشيعي وشيك، غير أن ذلك الانهيار قد لا يقع إلا بعد أن تحسم الولايات المتحدة أمرها في شأن النفوذ الإيراني في العراق بشكل قاطع.دائما كانت التحالفات السياسية هشة في عراق ما بعد الاحتلال. فبالرغم من طابعها الطائفي فإن تلك التحالفات لا تقوم على أساس عقائدي بالمعنى السياسي الحديث. وقد يكون غريبا أن تكون المنطلقات النظرية الدينية التي تستند إليها أحزاب تلك التحالفات مصدر شقاق أكثر مما تكون قاسما مشتركا للاتفاق.ما بدا واضحا حتى الآن أن تلك التحالفات كانت تقام على أساس المصالح المشتركة التي لم تكن ثابتة بما يكفي للحفاظ على نوع من الاستقرار الذي يضمن استمرار المتحالفين في الوفاء بتعهداتهم.

وإذا ما كان الولاء لإيران قد شكّل قاعدة لوفاق شيعي، كان الأساس لقيام التحالف الوطني الذي يضم الكتل والأحزاب السياسية الشيعية ومن ثم ضبط إيقاع حركتها والتحكم بخلافاتها، فإن الأحزاب الطائفية السنية لم تكن تملك مرجعية واحدة تستند إليها في تنظيم صلاتها، بعضها بالبعض الآخر، وهو ما أعاق إمكانية نشوء تحالف سني على غرار التحالف الشيعي.غير أن صورة البيت الشيعي متماسكا لم تكن سوى صناعة إيرانية قابلة للتلف في أي لحظة كأي صناعة إيرانية أخرى. فتلك الصورة تجمع نقائض لا يمكن الجمع بينها كل الوقت وبطريقة لائقة. فالتنافس بين عائلتيْ الحكيم والصدر الذي يقوم على أساس طبقي لا يمكن أن يقود إلى تسوية مقبولة من قبل الطرفين. غير أن الخلاف الأكثر خطورة هو ذلك الذي افتعله حزب الدعوة الحاكم حين شنّ حروبا على التيار الصدري لم يكن الهدف منها احتواء التيار، بل شطبه من الخارطة السياسية من خلال إلحاق الهزيمة به وشرذمته والزج بأفراده في المعتقلات.

كان نوري المالكي هو رائد فكرة الإلغاء التي صارت جزءا من عقيدة حزب الدعوة في تسييره لعلاقته الفوقية بالآخرين. وهو ما يشير إلى أن العداء سيكون أساسا للعلاقة بين الطرفين (الدعوة والتيار الصدري) في المستقبل، بحيث صار حذف حزب الدعوة من المعادلة السياسية في العراق هو واحد من أهم أهداف التيار الصدري.الصدام الدموي المسلح الذي وقع بين حزب الدعوة والتيار الصدري في غير مناسبة كان من الممكن أن يتكرر بين الأحزاب الشيعية لولا وجود قاسم سليماني ضابطا للإيقاع، كما أن تلك الأحزاب نجحت في استبعاد وقوع احتكاك بينها من خلال توزيع ما يقع في قبضتها من العراق على هيئة إقطاعيات ذات حدود مرسومة، لا يمكن تخطيها.

غير أن كل تلك الإجراءات الاستباقية لمنع وقوع صدام شيعي- شيعي لم تؤد إلا إلى تأجيل ذلك الصراع ذلك لأنها لم تقض على أسبابه.اليوم وبعد انقضاء الأمل في قيام تحالف سني بعد الدمار الهائل الذي لحق بالمدن ذات الغالبية السنية يكون الطرف الثاني في معادلة الدولة الطائفية، فإن القوى الحزبية الشيعية تسعى كل على طريقتها إلى تبرئة نفسها من الأسباب التي أدت إلى فشل العملية السياسية التي رعتها إيران من خلال تحميل حزب الدعوة وحده مسؤولية ذلك الفشل كاملة.

وإذا ما عرفنا أن كتلة حزب الدعوة كانت دائما هي الكتلة الأكبر في مجلس النواب العراقي، فإن ذلك يعني أن أي انقلاب شيعي على الحزب المذكور لن يؤدي إلى تشظي التحالف الوطني فحسب، بل إلى حرب شيعية- شيعية لن تتمكن إيران من منع وقوعها أو وقف تداعياتها.وقد يكون تحذير نوري المالكي من وجود مؤامرة دولية تهدف إلى إسقاط نظام الحكم في العراق، أي نظام حزب الدعوة ومن حوله أحزاب التحالف الوطني، إشارة ذات دلالة إلى شعور زعيم حزب الدعوة بأن هناك قوى سياسية شيعية تسعى إلى الإطاحة بنظامه مستعينة بقوى إقليمية ودولية.

تقاسمت الأحزاب الشيعية في ما بينها ثروات العراق وفق برنامج صارم أشرف عليه حزب الدعوة، غير أنها في مواجهة استحقاقات المرحلة القادمة التي يتوقع الكثيرون أنها ستكون خالية من التهديدات المصيرية بعد القضاء على داعش، لن تقف وراء حزب الدعوة الذي صارت لا تخفي استياءها من سياساته الاستعلائية.ما يخيف الأحزاب الشيعية المتمردة أن يكون حزب الدعوة مستعدا أكثر مما توقع لمواجهة مصيره من خلال الاستعانة بميليشيات الحشد الشعبي التي صار نوري المالكي يعتبر نفسه زعيمها الروحي.انهيار التحالف الوطني الشيعي وشيك. غير أن ذلك الانهيار قد لا يقع إلا بعد أن تحسم الولايات المتحدة أمرها في شأن النفوذ الإيراني في العراق بشكل قاطع.

 

 

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *