تصريحات وخطب ذات محتوى هابط

تصريحات وخطب ذات محتوى هابط
آخر تحديث:

بقلم:زكي رضا

ميزات الإنترنت عديدة وتدخل في مختلف المجالات، فمن خلالها تعقد الاجتماعات عن بعد، وتتم من خلالها الدراسة عن بعد، وجميع الرسائل في العالم تقريبا تحوّلت إلى رسائل إلكترونية وهي من تطبيقات الإنترنت. والإنترنت اليوم هي موقع للتواصل الاجتماعي بين الناس وتبادلهم الأفكار. الإنترنت اليوم من أسرع وسائل الدعاية، فمن خلال تطبيقاتها على الهاتف الجوّال، وهو في العمل أو في الشارع، يكون المرء أقرب إلى أحداث العالم من جلوسه في البيت لمتابعة نشرات الأخبار. وفي الحقيقة ونتيجة للتطور العلمي الهائل في مجال البرمجيات فإن من الخطأ القول إنّ العالم عبارة عن قرية صغيرة، لأنّ العالم اليوم وبفضل سرعة نقل المعلومات السلبية والإيجابية ومن مختلف الفروع ليس سوى غرفة صغيرة وليس قرية صغيرة.

الشعب العراقي الذي لم يعرف شيئا عن الإنترنت والكمبيوترات حتّى التاسع من أبريل 2003، أخذ حقّه في التعرّف على هذا العلم الساحر والواسع بعد أن أصبحت الإنترنت في متناول نسبة كبيرة جدا من الناس. لكن ما غاب عن بال المتصدّين للشأن السياسي هو أنّ الإنترنت فضاء افتراضي لا يعرف أو لنقل لا يمانع من تبادل مواضيع أو نشرها تمس أخلاق بلدان ما أو أديانها أو مذاهبها. وكلمّا حاولت دولة منع تبادل أفكار أو أفلام أو خطب سياسية أو دينيّة أو كتب ومجلات ومواقع تتقاطع مع سياسات تلك الدولة بل وحتى مواقع إباحية من خلال حجبها، ينجح روّاد هذه المواقع ومن خلال تطبيقات معيّنة في اختراق الحجب والدخول إلى تلك المواقع. وفي مثل هذه الحالات تعود الحكومات إلى طريقتها المفضلّة في معالجة “المشكلة”، أي القمع والإرهاب الفكري.

من هذه الحكومات، الحكومة العراقية التي وبضغط من رجال الدين وزعماء الأحزاب والميليشيات المسلّحة الذين يتعمدون قتل حريّة التعبير التي نصّ عليها الدستور. ومن أجل محاربة حريّة الرأي عادت السلطة إلى سن ما يسمى بقانون المحتوى الهابط، الذي هدفه الأساسي تكميم أفواه الصحافيين والإعلاميين والكتّاب ومنتقدي السلطة وفسادها. ولكي تأخذ الدولة مكانها الطبيعي في مواجهة حريّة الرأي وتكميم الأفواه أعلنت وزارة الداخليّة العراقيّة عن تنظيم مسابقة المحتوى الإيجابي، على أن “يتلخص المحتوى في تجسيد فكرة عامة لصاحب المحتوى على شكل (فيلم) لا يتجاوز الدقيقتين أو أي محتوى آخر يرونه مناسبا لدعم عمل وزارة الداخلية وسعيها لتعزيز الاستقرار الأمني والسلم المجتمعي”. وقد انتخبت الوزارة لشهر فبراير الماضي مثلا موضوعة المخدرّات، على أن يحصل الفائزون الثلاثة الأوائل على جوائز تبدأ من مليون إلى ثلاثة ملايين دينار.

لقد أعلن القاضي المختص بقضايا النشر والإعلام عامر حسن أنّ “المحتوى المسيء الذي يتضمن موضوع الجرائم المخلة بالأخلاق، ويتضمن أفعالاً مخلة بالحياء العام، وقد يتضمن أيضاً موضوع الجرائم التي تدعو إلى الكراهية أو تحرض على العنف أو تدعو إلى التمييز العنصري أو الطائفي، فهذه كلها مجرّمة بموجب نصوص في قانون العقوبات”، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنها “تختلف عن النصوص التي تعالج الأخلاق العامة، والنصوص التي وردت في الباب الخاص بالجرائم الماسة بالأمن الداخلي للدولة على من يبث الإشاعات ومن يعمل على الأمور العنصرية، فكل هذه الأفعال هي أفعال مجرّمة وبمجرد أن تحرك الشكاوى أمام المحكمة فالمحكمة ستمضي باتخاذ الإجراءات”.

هل الإشارات والإيماءات الجنسية، أو استخدام ألفاظ تفسّر حسب أهواء متلقّيها أو نواياه، أو مقاطع فيديو وأحاديث تنتقد الفساد وسياسيين ورجال دين من خلال تصريحاتهم الغريبة عن العقل والمنطق، تدخل ضمن خانة المحتوى الهابط؟ وكيف سيميّز القانون بين ما ذكرناه أعلاه ليعطي رأيه النهائي فيه؟

لكي نتعرف على المحتوى الهابط الذي تقول به السلطات العراقية دعونا نعود إلى اللغة والتي يجب أن تكون موجودة بتفسيراتها عند إقرار أيّ قانون، كي لا يكون القانون حمّال أوجه عند تفسيره.

اسم محتوى في معجم المعاني الجامع، والذي يهمنّا هنا هو تعريفه الإنترنيتي إن جاز التعبير هو: محتوى الويب: أو محتوى الشبكة العنكبوتية؛ ‏ هو كل محتوى مكتوب أو مرئي أو مسموع على أيّ موقع إلكتروني على الشبكة العنكبوتية ويشمل هذا الصور والفيديو والنصوص والملفات الصوتية. والمصدر نفسه عرّف الهابط قائلا: هابِط: (اسم)، فاعل من هَبَطَ، رَأَيْتُهُ هَابِطاً بِالْمِظَلَّةِ: نَازِلاً، سِعْرُ اللَّحْمِ هَابِطٌ فِي السُّوقِ: رَخِيصٌ، غَيْرُ مُرْتَفِعٍ، هَابِطُ الأَخْلاَقِ: سَاقِطٌ. وعليه فإنّ معنى محتوى هابط وفق المعجم يجب أن يكون (محتوى ويب رخيصا وساقطا) وهو ليس كذلك. والساقط هو ما يتعلّق بالأخلاق وهو ما تريد السلطة تطبيقه من خلال قانون، لكن الرخيص حسب اللغة يعني الزهيد، أي ذو ثمن غير مرتفع. وليس كلّ رخيص ساقط، وقد جاء في المعجم الوسيط: رخّص الشّخص نفسه: أذلَّها وأهانها، وقلَّل قيمتها، وفي المثل “إن أرخصت نَفْسَك أرخصك الناسُ” فهل كل من أرخص نفسه ساقط؟

قد يتفّق البعض مع قانون المحتوى الهابط استنادا إلى الدين والعرف الاجتماعي على الرغم من مخالفته للدستور كونه يكمّم الأفواه ويقمع حريّة الرأي، لكن السؤال الملّح هو: هل الصور والفيديوهات والنصوص والملفات الصوتية، التي تضرب السلم المجتمعي بتعدّيها على رموز طائفة دينية من قبل الرادود، يدخل في خانة المحتوى الهابط؟ هل زرع الجهل بين الناس من على المنابر وتناول روايات ما أنزل الله بها من سلطان، كأن يقول شيخ “قال أمير المؤمنين (ع) في مخطوطة قديمة اسمها الجفر: (ولا غالب لأمر الله عند قوم لهم نهر عظيم اسمه أمزون يدعون للحق فيها مغاليس، والظلم يفتن دهراً، ينشر في أرضهم فقراً، ولا يعلو لهم اسم إلا في اللعبة السارحة، يمرح رجالها خلف مثل أضعاف بيضة نعامة، كرة من جلود ينصبون لأجلها الرايات ويعزفون المعزف ويرقصون رقص الأحباش…)، أقول هل هذا محتوى هابط أم لا؟ هل حديث معمّم عن عدم جواز السير خلف امرأة لأنّه سينظر إلى عجيزتها بشهوانية محتوى هابط وبذيء أم لا؟ هل علاج عشيرة كاملة بحبة حلوى (جكليت) كما قال معمّم محتوى هابط أم لا خصوصا وأنّ هذا المعمّم لم يتناولها وهو مريض، بل ذهب للعلاج خارج البلاد!

قبل أيّام خرج علينا رجل دين يمتهن السياسة بتصريح أقلّ ما يقال عنه إنّه هابط وهابط ليقول إنّ الموساد الإسرائيلي هو من قتل الإمام علي بن أبي طالب! ونفس رجل الدين هذا يتّهم شعبا كاملا بقلّة الغيرة وقساوة القلب حينما يقول إنّ نهر الفرات له هاتان الصفتان وأنّ مصر تعتمد عليه في “الري والسقاية”!

فهل سيأخذ القانون مجراه مع أمثال هؤلاء وهم ينشرون الفتنة الطائفية داخليا وخارجيا علاوة على إشاعة الجهل والتخلف. أليست الطائفية والجهل والتخلف والعادات العشائرية المتخلفّة محتوى هابطا؟

يقول القاضي عامر حسن “المحتوى الذي يقدمه بعض السياسيين في حال كونه يتعلق بموضوع إثارة النعرات الطائفية أو العنصرية فهم يقعون تحت طائلة المساءلة القانونية”، مؤكداً أن “لا أحد فوق القانون، والكل يخضع للقانون”. فهل يقع من يسبّ ويشتم رموزا دينية لطائفة معيّنة تحت طائلة القانون؟ وماذا عمّن يتّهم شعبا عربيا يختلف معه طائفيّا من أنّ لا غيرة لهم، هل هو فوق القانون؟

على المرجعية واحتراما للمذهب الشيعي، أن تأخذ دورها في منعها أمثال هؤلاء من إطلاق هكذا تصريحات تسيء للشيعة قبل أن تسيء لغيرهم، وأن تمنع رجال الدين والرواديد الطائفيين الذين يهددون السلم المجتمعي من صعود المنابر الحسينية، لأنّ العالم اليوم غرفة صغيرة وستنتقل إليها ترهّات هؤلاء وطائفيتهم صوتا وصورة وبسرعة قياسية، وهذا ما سيجعل بل وجعل الدين والمذهب في مرمى النقد اللاذع.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *