حروب الضيوف مع الضيوف

حروب الضيوف مع الضيوف
آخر تحديث:

بقلم:ابراهيم الزبيدي

في جميع الأعراف الثابتة في العالم كله، لا توجد منطقة وسطى، في أنواع الدول وأشكالها. فإما دولة تحترم نفسها وتقاتل وتستميت لحماية حدودها وسيادتها وهيبتها وكرامة شعبها، أو دولة اللادولة التي ليس لها كرامة ولا سلطة على أرضها، ولا على شعبها، ولا على ضيوفها، ويكون الحكم فيها قائما على نظام (ارحموا عزيز قوم ذل)، وتحكمها الشلل والعصابات، وتدير شؤونها حكومات وأجهزة مخابرات وجيوش أجنبية، وتُسير حياة مواطنيها الرشوة وقعقعة السلاح وعضلات الأشقياء من أبنائها الضالين الفاسدين المفسدين، تماما كما هو حال العراق اليوم، خصوصا في أعقاب الغارات المدمرة الكاسحة التي قامت بها طائرات (الضيوف) الأمريكان على مواقع (الضيوف)الإيرانيين.

فليس من المنطقي ولا من المعقول أن تغضب وزارة الخارجية ورئاسة الجمهورية وقيادة الجيش العراقي على انتهاك الأمريكان للسيادة العراقية، ولا تغضب، ولم تغضب أمس، على صواريخ (المجاهدين) التي تصنعها إيران، وترسلها إيران، وتأمر بإطلاقها على من تشاء من أعدائها،ساعة تشاء، وكيفما تشاء.

فعمليا وواقعيا لا يصح أن يُسمي الإعلام الرسمي العراقي والعربي والأجنبي جماعاتِ الحشد الشعبي بأنها مليشيات عراقية. فهي إيرانية الولادة والنشأة والشباب والكهولة والموت قتلا بالصواريخ والطائرات المسيرة. ومن يعترض على ذلك عليه أن يستعيد عقله ويحيي ضميره من جديد.

فمن قبيل النكتة ننقل هنا خبر استدعاء وزير الخارجية، محمد الحكيم، سفيري الولايات المتحدة الأمريكي وبريطانيا في بغداد للاحتجاج على ما وصفه الوزير بأنه (اعتداءٌأمريكي) على العراق.

من جهته، استنكره الرئيس برهم صالح، وقال عنه إنه “يُشكِّل انتهاكا للسيادة الوطنية العراقية“.

كما عبرت قيادة الجيش العراقي عن شجبها واستنكارها للضربات الجوية الأميركية، وقالت إنها “اعتداء سافر” و”انتهاك للسيادة“.

علما بأن المكشوف الذي يعرفه الصغير والكبير من العراقيين، هو أن كل واحد من قادة العراق، اليوم، عبد مأمور، ومجبرٌ على فعل ما فعل وعلى قول ما قال.

فأية دولة تلك التي يكون لها رئيس جمهورية ورئيس وزراء ووزراء ونواب ومدراء وسفراء يُعينون، جميعهم ودون استثناء، في حفلات يسمونها انتخابات يشرف عليها ويحرس مقرات صناديق اقتراعها حَمَلةُ السكاكين والخناجر والسيوف والمفخخات والمدافع المضادة للطائرات؟.

ففي دولة (اللادولة) العراقية، اليوم، اُعطيَتْ أجهزةُ الأمن والدفاع والبرلمان والجيش والمالية والعلاقات الخارجيةحصصاً موزعة على الأحزاب والكتل والتيارات لتحتكر إدارتها وعوائدها، الأمر الذي جعل هذه الأحزاب والكتل والتيارات جيشا يقود جيش الدولة، وحكومة تقود الحكومة، وسلطة قانون فوق كل قانون.

وقد كان منتظرا من قيادة الجيش وأجهزة الأمن، فور علمها بأمر الصواريخ التي أطلقها الإيرانيون العراقيون على قاعدة عسكرية عراقية، أيا كان الذين يتواجدون فيها، عراقيين أو ضيوفا أجانب، أن تهب بقوة واقتدار فتلقي القبض على المعتدين المستهترين الذي يُعرضون أمن المواطن ومصالح الوطن لأفدح الأضرار، ويجعلون من الدولة وهيبتها وكرامتها سخرية الساخرين، ثم تحيلهم إلى القضاء، وتُصادر سلاحهم وأجهزة مليشاتهم، وتسارع إلى الاعتذار من الضيوف.

ألم تأتِ قوات هؤلاء الأجانب بدعوة من إيران ذاتها، عبر وكلائها العراقيين، لتساعدها على الخلاص من داعش، كما زعمت يومها، قبل أن يجيء ترمب إلى إلرئاسة، وقبل أن يفرض عليها عقوباته الخانقة؟.

ثم، لماذا لم يطلق عليها (المجاهدون) مثل هذه الصواريخ طيلة السنوات الماضية وقبل عقوبات ترمب التي بدأت تفعل فعلها وتحرجها وتُخرج دولة الولي الفقيه من ثيابها وتصيبها بالجنون؟

ولماذا لم تطلب رئاسة الجمهورية أو الحكومة أو قيادة جيش من هذه القوات (الأجنبية)، فور انتهاء معارك التحالف الدولي ضد داعش، أن تحمل أثقالها وتغادر الوطن بمودة وسلام واحترام؟

وأية حكومة هذه التي يكون نصف وزرائهأ إيرانيا مُحمَلا بكل أنواع السلاح الإيراني، ونصفُهم الثاني من حزب الشيطان الأكبر، ثم يظلون، وراء جدران المنطقة الخضراء،متفاهمين متصالحين يعاضد كلٌ منهم أخاه في العمالة، ويتستر عليه، دون خوف ولا حياء؟.

وأية حكومة هذه التي تُلبس (مجاهديها) ثياب رجال أمن الدولة وجيشها، وتُجيز لهم دخول منازل المواطنين العزل المسالمين ليغتالوا ويعتقلوا ويختطفوا ويغتصبوا، جهارا نهارا، وباسم الدولة ودستورها وقوانينها المقدسة؟.

ثم لماذا كل هذا الإصرار على خداع الناس واستغفالهم،والرئيس ووزيرُ الخارجية وقائدُ الجيش يعرفون أن معجزة الإطفاء الفوري والناجز لنار هذه الفتنة جاهز ومتوفر ومتاح، فقط حين يصبحون رجالَ دولة حقيقيين، فيُغلقونالموانيء والمطارات والحدود التي يتمول منها (المجاهدون)ويتسلحون؟.

أما خلاصة الخلاصة في هذه المقالة فهي أن دولة الرئيس برهم صالح والرئيس عادل عبد المهدي والوزير محمد الحكيم ليست دولتهم، بل هي دولة الورثة الشرعيين للقتيلين قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس. أما ما عدا ذلك فكلامٌ عن السلاطين، وضحكٌ على الذقون، وهواءٌ في شبك.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *