دار دور … الله أحد الله الصمد … بقلم أزهر جرجيس

دار دور … الله أحد الله الصمد … بقلم أزهر جرجيس
آخر تحديث:

الحاجّة أم ياسر معلمة عراقية مقيمة في النرويج. عاطلة عن العمل وحاصلة مؤخرا على التقاعد المبكر لأسباب صحية. اقترحت انشاء مدرسة لتعليم اللغة العربية، وأقنعت العوائل هنا على إرسال أبنائهم وبناتهم للانخراط في برنامجها التعليمي. البرنامج باختصار هو يومان في الأسبوع، السبت والأحد فقط، يأتي الطفل فيهما الى المدرسة لتعلم اللغة العربية مقابل أجر يدفعه ولي أمره كل شهر. فعشر ساعات كل أسبوع قد تبقي الطفل متواصلا مع لغته الأم. الى هنا الأمور جيدة والعوائل متعاونة، وقد حصلت أم ياسر على عدد لا بأس به من المتطوعين للتدريس بلا مقابل، وأنا كنت واحدا منهم. في الاجتماع سألتها عن برنامج المدرسة وما الخطة المعدّة لذلك؟ فقالت: (عيني بسيطة الشغلة، عدهم خمس ساعات باليوم نقسمها ساعتين دار دور، وساعتين دين، وساعة لعب وأبوك الله يرْحَمَه)، وضحكت الحجيّة مزهوّة بتأييد بقية الحجيّات. انا بصراحة لم يرق لي الموضوع، فقلت لها: حجيّة أنا لا أرى ضرورة لدرس الدين هنا. قالت: (ليش عيني كفّار خو مو كفّار؟!) قلت لها: لا، معاذ الله، ولكن الأطفال من أديان مختلفة ومذاهب مختلفة وإثنيّات مختلفة ما يعني صعوبة تدريس الدين في هذه الحالة، ثم أن كل طفل يستطيع أن يتعلم دينه في بيته دون الحاجة الى مدرسة. لذلك أقترح أن تكون ساعتين دار دور، وساعتين عن العراق، وساعة لعب، كي نعلمهم الى جانب القراءة والكتابة كيف يحبّون بلدهم الأم ويحترمونه. فالى متى لا يفقه أطفالنا شيئا عن وطنهم الأم سوى ما يرونه في التلفاز من مصائب؟! والى متى لا يعرف الطفل العراقي أسماء الجبال والأنهار والبحيرات في بلده؟! والى متى يظل مطأطئا رأسه حين يسأله أصدقاؤه من أين أنت؟! دعونا اذن نعلمهم كل شيء عن وطنهم، وانا كفيل بهذه المهمة. طبعا كلامي لم يلقَ قبولا عند الحجيّة أم ياسر لذلك رفضته جملة وتفصيلا وقالت: (لا عيني لا، عراق شنو، احنه صرنا نروجيين بعد) وضحكت، ثم أردفت: (وبعدين شنعلّمهم عن العراق، اشو بلد كله زبالة وحرامية)، عزيزي نحن نريد أن نربي أطفالنا تربية عقائدية، ونعلمهم (دار دور، واللّهو لحّد اللّهو الصمد). هكذا تعتقد أم ياسر، الطفل بحاجة الى تربية عقائديّة صحيحة تجعله متمسكا بطقوسه التي تعاني حربا شعواء على حد تعبيرها، ولا حاجة لأن يتعرّف إلى وطنه الأم. بل إن الحاجّة أم ياسر دام ظلها تعتبر الحديث عن العراق ضربا من الفضول والجهد الزائد. فما لها والعراق ما دامت (تاكل وتوصوص) في بلاد الكفر! وعلى الرغم من اطلاعي التام على سلوك ياسر وأخوته الذين تربّوا (تربية عقائدية) واسهامهم في تشويه سمعة العراقيين هنا، إلا أنني لم أجادلها في الأمر وقلت لها حسنا حجيّة أنا أنسحب والبركة بالحجيّات، فيمالله.. فيمالله.

البارحة وكعادتي كنت أبحث عن أخبار العراق بمواقع الأنترنت فقادتني الصدفة الى رؤية مالم أتوقعه يوما، دعاية انتخابيّة بارتفاع خمسة أمتار عليها صورة الحجية أم ياسر ومكتوب عليها: انتخبوا المجاهدة الحاجّة أم ياسر، العراق أولا. (يعني هم مجاهدة وهم العراق أولا، يا بگاحتك يا أم ياسر) فقلت في نفسي: الله أكبر يعني الحجيّة تستلم راتبا تقاعديا هنا وتذهب لتستلم راتبا خرافيا هناك من العراق (عراق الزبالة والحراميّة)! صدگ تربية عقائدية.. دار دور.. اللّهو لحّد اللّهو الصمد.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *