دجلة الخير مرة أخرى

دجلة الخير مرة أخرى
آخر تحديث:

د. حسين القاصد 

كتبت ـ هنا في جريدة الصباح ـ في عمودي الأسبوعي الأربعاء الماضي ، عن قصيدة شاعر العرب الأكبر ( يا دجلة الخير ) ، ورأيت أنها ليست قصيدة حنين للوطن ، بقدر كونها مغازلة بشيء من الكبرياء الخجولة للزعيم عبد الكريم قاسم ، واستندت إلى تاريخ كتابة القصيدة ، حيث كتبت عام 1962 . 

وعلى الرغم مما تحمله القصيدة من حنين هائل من الجواهري الكبير ، وعلى الرغم أيضا ، من أن أغلب مطربي العراق المغتربين غنوها ، لا سيما من لهم ميول يسارية ، لاسيما الفنان الكبير فؤاد سالم ؛ على الرغم من كل هذا ، مازال كاتب هذه السطور يصر على أنها رسالة مصالحة من الجواهري إلى الزعيم عبد الكريم

 قاسم .

أثار مقالي السابق الكثير من الأسئلة والتفاعل ، وكان السبب هو ظاهر القصيدة انها قصيدة حنين للوطن ، وليست حنينا لما يحن إليه الشاعر ؛ وهنا لنا أن نقف عند هذا البيت : 

يا دجلة الخير يا نبعاً افارقه 

على الكراهة بين الحين والحين 

والكراهة السابقة ، كانت في الزمن الملكي حيث أزمة الجواهري وساطع الحصري ، اما الكراهة في وقت كتابة (دجلة الخير) فهي خلافه مع الزعيم ، الذي تحدثت عنه في مقالي السابق ، وبعيدا عن حنين الجواهري وصبغة الكبرياء في القصيدة ، لنا أن نرى الانكسار الواضح في البيت الآتي : 

وددت ذاك الشراع الرخص لو كفني

يحاك منه غداة البين والبين 

الذي يحن للوطن يحن لكل تفاصيله ، دجلته وفراته ، والشاعر ابن الفرات ، فلماذا دجلة وليس الفرات الذي يمثل مسقط رأس الشاعر وملعب صباه ؟ ثم لماذا لم يقم الشاعر بتحية سفح دجلة وهو في حضنها ؛ فليته قال : حييت سفحك ( عن قرب) فحييني ، كي يلامس وجدان المواطن العراقي وغربته الداخلية .

الأجوبة واضحة لمن يعيد قراءة القصيدة بكل ما يحيطها من انساق مضمرة ؛ حيث كان بإمكان الجواهري ألا يهجر دجلة خيره ، على الكراهة ، لأن اختلافه مع عبد الكريم قاسم لم يفرض عليه مغادرة الوطن ، ولا الزعيم هدده  بشيء ، فكل الذي حدث هو أن حبل المودة بينهما انقطع ، وتعكرت مياه الوصال بينهما . 

ختام القول : وجه الجواهري خطابه لدجلة وليس الفرات ، لأن دجلة بيدها السلطة ، فهي تعني بغداد ، واشارات الجواهري لبغداد في القصيدة واضحة لاسيما ( هارون) و(ابو نواس) ، ودجلة تعني مركز السلطة .

والا وبعد ( الكراهة بينه وبين الزعيم ) التي كانت قائمة لحظة كتابة القصيدة ، إلى ماذا يحن الجواهري ؟ ولماذا لم يعد بعد استشهاد الزعيم ووصول عبد السلام عارف ؛ لقد كان يحن إلى مكانته في زمن الزعيم ، لكن القدر واستشهاد الزعيم جعلاه يؤجل حنينه ، لحين انقلاب البعث عام ١٩٦٨ ، حيث وجه له الانقلابيون الدعوة للعودة معززا مكرما ، فأراح ركابه بعد أن اعيد رئيسا لاتحاد الأدباء ، واستتب في داخله اليأس من الحصول على وزارة ، كما كان يسعى في ايام الزعيم بل من ايام الملك فيصل الأول .

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *