دولارهم المنتصر ودينارنا المهزوم

دولارهم المنتصر ودينارنا المهزوم
آخر تحديث:

بقلم: فاروق يوسف

أن تلعب السوق بسعر صرف الدولار في لبنان ومصر، ذلك أمر يمكن تفهّم أسبابه. أما ما يحدث في العراق فإنه أمر لا يمكن فهمه إلا من خلال تسليط الضوء على الدور الذي لعبه العراق في تمويل إيران والميليشيات التابعة لها في سوريا ولبنان واليمن عبر السنوات الماضية.العراق كان لسنوات طويلة خزانة المال المفتوحة التي تمد إيران بالدولار بالرغم من أن الولايات المتحدة كانت قد فرضت على إيران عقوبات اقتصادية حرمتها من التمتع بأموال كان يمكن أن تجنيها من تصدير النفط. غير أن ذلك تم تعويضه من خلال الثقب العراقي، حيث تم استثناء العراق لسنوات طويلة من شروط العقوبات، فكان يمدّ إيران بالدولار بطريقة تكاد تكون عبثية ومن غير ضوابط. فكان العراق على سبيل المثال يستورد من إيران بطيخا يزيد على حاجته مئات المرات. كل هذا كان على الورق وليس حقيقيا.

في حقيقة الأمر كان العراق يُنهب على مرأى من البنك الاحتياطي الأميركي. كل دولار يستلمه العراق ويسلّمه إلى إيران إنما يمر بمعرفة الأميركان. في عهد نوري المالكي كان الدولار يحول مباشرة من الولايات المتحدة إلى إيران عن طريق وكالة عراقية هي عبارة عن ستار وهمي. لذلك فإن أحدا لا يشير إلى ذلك العهد الذي اُستنزف فيه الاقتصاد العراقي بطريقة منظمة بحيث خسر العراق المليارات من الدولارات التي اختفت من غير أن تترك لها أثرا على مستوى الرقابة.أما حين فرض الاحتياطي الأميركي مؤخرا ضوابط على بيع الدولار وشرائه في بغداد وكيفية التعاطي به تجاريا فقد صار على المصارف التي تخصصت بتهريبه إلى إيران لأسباب عقائدية وتجارية في الوقت نفسه أن تقهر تلك الضوابط من خلال اختراع سوق موازية تزيد من عرض الدينار العراقي الذي تحتفظ إيران بكميات هائلة منه. وليس مهمّا هنا أن تزداد نسبة التضخم في ظل عجز الحكومة عن فرض قوانين صارمة تتحكم بسعر الصرف.

وإذا ما كان البنك الاحتياطي الأميركي قد منع مصارف الميليشيات من شراء الدولار بالسعر الرسمي من البنك المركزي العراقي فإن ذلك لم يمنعها من شرائه في السوق الموازية. وهو ما يعني ضخ كميات غير متوقعة من الدينار العراقي في السوق. أما في ما يتعلق بتهريب تلك الأموال إلى إيران فإن الاتفاقية الأمنية الأخيرة التي وقّعها البلدان تتيح لإيران أن تشرف على عدد كبير من الممرات الحدودية.يضحك الدولار على العراقيين. يعرفون أنهم يملكونه لكن افتراضيا. وهو ما يؤلمهم. يرونه وهو يمرّ من خلالهم إلى إيران. هو دولارهم من غير أن يكون كذلك. غير أنهم وتلك مشكلتهم الكبرى لا يثقون بدينارهم. تثق الشعوب الثرية بعملاتها والشعب العراقي في ذلك هو الاستثناء. في أزهى حالاته كان الشعب العراقي محروما من صرفه مقابل العملات الصعبة بشكل مريح وعلني ومفتوح. لم يكن العراقي يحصل على الدولار أو الجنيه الإسترليني حين يسافر إلا بشق الأنفس وبطرق غير قانونية.

لعبة الدولار ليست جديدة ولكنها تفاقمت يوم لجأ العراق منتصف تسعينات القرن الماضي إلى طبع عملته فذهب الديناالاحر إلى الهاوية ومن يومها لم يستعد عافيته. فبغض النظر عن احتياطي البنك المركزي العراقي الذي قيل مؤخرا إنه وصل إلى السبعين مليار دولار حسب التصريحات الرسمية فإن الدينار العراقي لم يغادر ذلك الحضيض. ما يملكه العراق من احتياطي هو في الحقيقة ليس ملكه، فلإيران الحصة الأكبر فيه. أما لماذا؟ فذلك ما لا يمكن أن يفسّره منطق سياسي أو اقتصادي.لقد أحرجت الضوابط التي وضعها البنك الاحتياطي الأميركي الحكومة العراقية. فهي وإن كانت لا تملك سوى الخضوع لها غير أنها تعرف أنها ستكون عاجزة عن مواجهة مافيات الدولار في السوق التي شكّل حرمانها من الحصول على الدولار من منصة البيع الرسمي مناسبة لها لكي تحرق سعر الصرف بطريقة انتقامية. وكان الشعب هو الضحية.لا تعمل مافيات الدولار في سياق تجاري محض فهي مرتبطة بالأحزاب والميليشيات التابعة لإيران. ولأن تلك الأحزاب والميليشيات هي التي تدير الدولة ولها سلطة على الحكومة فإن تلك المافيات لا يمكن المساس بها وستظل محمية وقادرة على التحكم بسعر صرف الدولار الذي يؤثر على الوضع المعيشي على شريحة كبيرة من العراقيين وهي الشريحة التي قُدر لها أن تقع تحت رحمة الدولار.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *