دَعْشَنَة السُنَّة

دَعْشَنَة السُنَّة
آخر تحديث:

سعدون محسن ضمد

أدرتُ قبل أسبوع حلقتين نقاشيتين ضمن مجموعة حلقات ناقشت مسبّبات التوتر في بعض المناطق المُحرَّرة، وكانت الحلقات التي أدرتها عن قضاء سامراء، عليه كان الحضور كلهم من هذا القضاء، وأثناء مناقشتنا لأنواع المشاكل التي يعتقدون بأنها مُسَبِّبة للتوتر، اثارت استغرابي تفاصيل معاناتهم، فقد تحدثوا عن عمليات استفزاز لا غاية من ورائها غير إذلال الناس الأبرياء بحجَّة مواجهة الإرهاب، عن ممارسات تؤدي إلى تجويع ومحاصرة مواطنين لا علاقة لهم بما يتزاحم عليه السياسيون أو يَقْتُل بسببه الإرهابيون. عن حظر تجوال يومي يبدأ من الساعة الحادية عشر مساء وينتهي في الساعة الخامسة صباحاً، سيطرات متعدّدة ومتشدّدة تتبع جهات مختلفة وتعمل بشتى الطرق على عرقلة انسيابية الحياة هناك، ليصل الأمر حدَّ تعقيد عملية دخول وخروج أهالي الأحياء المحيطة بضريح العسكريين بشكل طبيعي ومن دون إجراءات تشعرهم بالإهانة كما يؤكدون. بل الأنكى من ذلك هو صعوبة حصولهم على الفواكه والخضر بسبب تأخير مواعيد إدخالها يوميّاً إلى تلك المناطق مع أنها محاصيل سريعة التلف، خاصَّة بعد إغلاق “علوة المخضَّر” القديمة وافتتاح أخرى تقع خارج القضاء.

يؤكدون أن تلك الإجراءات تسبَّبت بوفاة حوامل أو مرضى نتيجة صعوبات نقلهم إلى المستشفيات بأوقات الْحَضْر، يتحدثون عن استفزازات للنساء من قبل سيطرات تتعامل مع الجميع بمنطق تشكيكي تخويني مسيء لهم، يتحدثون عن عمليات إرغام أهالي المدينة القديمة على بيع املاكهم المحيطة بمرقد العسكريين، عن انشاء ممر “آمن” أيام الزيارات يفصل الوافدين لزيارة المرقد المقدس، من الشيعة، عن أهالي الأحياء المحيطة بالمرقد من “السنة”، إلى درجة أن أحدى النساء تحدثت عن منعها من الترحيب بأصدقاء لها جاؤوا من محافظة النجف لأداء شعائر الزيارة، تقول: لم يكن يفصل بيني وبينهم سوى امتار قليلة ومع ذلك مُنِعْت من الترحيب بهم ما اشعرني واشعرهم بالحرج والأسى، وهذا الكلام مرفوض تماماً على الأقل، لأنها من أهالي المدينة القديمة ويفترض بأنها مُعَرَّفة لدى قوات الأمن. ولا يخفى على أحد خطورة مثل هذا الممر، الذي يأتي في إطار فعل موجع يزعزع الثقة ويزرع الفتنة والكراهية، فضلاً عن مضارّه الاقتصادية على أصحاب المحال التجارية المحيطة بالمرقد المقدَّس ممن يعيشون على البيع للزوار، هذه عقوبة جماعيّة غير مبررة تماماً.

يريد المسؤولون الواقفون خلف هذه التصرفات، وهم بالتأكيد شلَّة ممن يعجزون عن توفير الأمن بشكل يحفظ كرامة وحقوق الناس، أن يوهمونا بأن أهالي سامراء هم من فجَّر ضريح العسكريين، أو كانوا حواضن لمن فجَّر، وهذا بالضبط ما فعله صدام عندما أوهم الرأي العام العربي والعالمي بموالاة جميع الشيعة إلى إيران، متجاهلاً حقيقة أن حزبه وجيشه قائمان بالشيعة وعليهم، وذلك ليبرر عجزه عن احتوائهم واستيعاب اختلافهم ومطالبهم ومن ثم ليتستر على جرائمه بحقهم، وهو الأمر الذي كرره مع الكرد، عندما عجز عن استيعابهم أيضاً فاستسهل تخوينهم كلهم بتهمة حضانتهم للبيشمرگة في تغطية رخيصة لجريمة ضربهم بالكيمياوي. ما يحدث في سامراء وفي الكثير من المناطق المحرَّرة الأخرى هو عملية تبييض لصفحة صدام السوداء، فعندما يسير المظلوم على خطى ظالمه مستعملاً ذرائعه نفسها، فسيمنحه صك البراءة أمام الناس والتاريخ، لأنه سيثبت بأن لا سبيل لحلحلة المشاكل إلا السبيل الذي سلكه ذلك المجرم. الرسالة التي يرسلها بعض قادة العراق إلى العالم بسبب سوء إدارتهم للبلد أن صدام اضطر لارتكاب جرائمه، ولم يكن مجرماً بطبعه.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *