سرد ملحمي عن مأساة الأيزيديين

سرد ملحمي عن مأساة الأيزيديين
آخر تحديث:

وارد بدر السالم

“عذراء سنجار” للقاص والروائي وارد بدرالسالم،رواية جديدة تناولت ببراعة الحرب المستعرة في العراق عامة، واستهداف الايزيديين خاصة، إذ تنبثق منذ سطورها الأولى كاللهب، تدمي، تشتعل بمآسي المجازر والاقتلاع، والترويع والسبي للطائفة الأيزيدية الآمنة في سنجار، التي ابتليت باحتلال عصابات “داعش”، فعاثت خرابا بمدينة عذراء لتضحى مباحة مستباحة، على نحو لم تكن تعرفة جريمة في حسابات الكوارث على مر الأزمان،( لتسجل بذلك داعش الاحتلال (74) لهذه الطائفة المسالمة وتنتهك حرماتهم في أسوأ احتلال عرفه التاريخ، لتبيع نساءهم في أسواق النخاسة وتقتل رجالهم وأطفالهم تحت راية مشبوهة باسم الإسلام!)، فنهاراتهم ولياليهم أثقلتها دماء السيوف، ورصاص يندلع بموت يتجدد كل يوم في ظروف قاسية، تثير السخط على الدنيا كلها، لما تكتظ به من فداحة النازلة وهول المأساة . ولأعترف قبل المضي إلى أبعد انني منذ زمن لم تهزني رواية بقيمتها الفنية وتناولها لقضية الحرب ببراعة، كما فعلت بي رواية “عذراء سنجار”، وكأنها تختصر الآلام الإنسانية كلها، بهذا المزج البارع المتواصل الزاخر بالمفارقة والتضاد والإيقاع والتناغم، لعالم متخم بالموت والحب والخوف والتقتيل والأمل، والتنقل بين الناس والأماكن والصور والأفكار والطبيعة، لا أدري كيف جعل الكاتب من الكلمات صورا حية وحيوات نعيش معها، وهي تحتج وتغضب وتتمرد وتتحدى وتعشق، لاأدري كيف استطاع أن يبقي على هذا التأجج الساخط المتفجر في كل صفحة، إذ يلتحم الكل في تداخل الأجزاء وتلولبها وانسيابها في توالي السرد، الذي يبدو كأنه يتوالد ويتناسل بشاعرية دالة بإيحاءاتهاوهي ترسم الصرخات والغيوم والوجوه والخوف والمطر والجبال والشجر، تلك هي غواية السرد وسحرها. “عذراء سنجار” صرخة احتجاج هائلة، في عالم عات، ظالم، بلغة دافقة ظلت على صراخها واشتعالها، كلغة كل غاضب، يتعذب لوقوع البشر ضحية رعونة قدر أحال حياتهم إلى موت وكوابيس “فالروائي في مغامرته السردية كان قبل ذلك قد حصل على الوثائق عبر زياراته الميدانية المتفرقة لمخيمات الايزيديين ولقائه بالعديد من الايزيديات المختطفات اللواتي تمكن من الهرب من اسر داعش” نعايش الرواية بملء جوراحنا، نرى واقعها المؤلم، فتتجسد بخيالنا شخصياتها، لعل من أبرزها الفتاة ( بشتمان)المختطفة الغائبة التي شكلت الإطار ومحور السرد، تشخص أمامنا صورة أبيها ( أزاد) المتعلق بابنته بعشق وحب لجوج ملك عليه نفسه بسبب فقدانها وبحثه الدائم عنها بأمل لاهث وراء السراب!والمأخوذ أيضا بحبه لمدينته المحتلة ولأناسها، نقع في حب (عيدو) المعتوه والمهرج والساخر من المحتلين القاتل لأحد أبرز قادتهم، ليموت حرقا، إذ كان (عيدو) لايستكين، فهو هائم دوما يدور في السوق وفي الشوارع بين الناس، يعتصر أحزانهم في ضحكه وفكاهته، واستفزازه للأعداء ليكون مثار قلقهم وريبتهم، بكلماته وحركاته وجرأته وصراخه. بدر السالمينتقل بنا إلى أماكن قد يراها بعضنا أول مرة، ويرينا أناسا لعلهم أجمل من التقينا.إنها رواية زاخرة وضاجة بالحركة والامتلاء الحي ، رواية تشدك إليها بقوة فتمتلك عليك قلبك وخيالك، ببنائها المحكم وخيالها العارم، على مدى 400 صفحة .

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *