سلاما ياعراق : فساد المثقفين .. البزازين  

سلاما ياعراق : فساد المثقفين .. البزازين   
آخر تحديث:

 هاشم العقابي

هؤلاء نصّابون أيضا لكنهم، بفعل فقر الموهبة، صاروا ينصبون على أنفسهم وعوائلهم. يمكنكم تسميتهم “هواة”. فالنصابون المحترفون يقبضون، أما الهواة فينفقون من جيوبهم ومن قوت أطفالهم ليحظوا بغطاء او مظلة من بعض الأسماء المشهورة في دنيا الادب والطرب والفن والتمثيل ليمشوا تحتها. عود ليش؟ حتى يقال عنهم انهم مثقفون او ربما شعراء او ناقدون.

كنا نعرف هذا الصنف قبل ان نغادر الوطن. ما يميزهم هو حاسة شمهم القوية التي تدلهم على جلسات الادباء والفنانين حتى وان كانت تحت الأرض. في ايامها، أطلق عليهم جودت التميمي وصف “البزازين”. وكانت لهم فوائد جليلة عند دفع الفواتير في المطاعم والبارات.

وجدتهم في المنافي وقد تطوروا نوعيا فصاروا “عتاويّ”. لا يخلو مهرجان او أمسية ثقافية او شعرية الا وكان واحد منهم في المقدمة. عدّتهم انهم يحولون بيوتهم الى دور ضيافة لاستقبال كل ذي اسم معروف او فيه شيء من البريق. ومن يا ترى من جماعتنا “المعروفين” يرفض هذا او ذاك إذا وفر له السكن والمأكل والمشرب؟ الأسماء “الكبيرة” اغلبها يقصد بيوت الزناكين من المقاولين والتجار. وهنا لا غرابة في ان تجد تاجرا او بقالا يتحكم في منهاج أمسية ثقافية عامة أو خاصة. وليت الامر يتوقف عند هذا الحد بل ليتكم تسمعون هؤلاء “العتاوي” حين ينظّرون ويعطون دروسا لضيفهم وأصدقائه في علم التاريخ والاجتماع والفلسفة.

والامر قد لا يحتاج بالضرورة ان تكون تاجرا لتستقطب أسماء تعيش بظلها. فهناك من عرف لعبة بسيطة: يقرأ بوصلة البلد الذي تزوره تلك الأسماء. يسبقهم الى هناك او قد يتبعهم. يستأجر شقة. يجهزها بأدوات طبخ أهمها القدور الكبيرة. يمولها بخزين وافر من مطيبات المزاج ومستلزمات السهر المادي والمعنوي. تلفون برقم محلي: اتفضلوا عيوني مكانكم موجود. وتبلش “زلم” الثقافة والأدب والفن بالهرولة نحوه. آه لو اعرف سر عشق “ربعنا” لحياة العشت.

زين شحصّل هذا “العتوي”؟ محصوله ان ضيفه لو دعي الى جلسة او أمسية سيكون مدعوا معه. والضيف طبعا لا يقدمه للمستقبلين بصفة “عتوي” بل كمثقف او عالم او فيلسوف او ربما كاتب اغان مثلا. انه مركّب نقص مرضي لا يحس المصاب به انه انسان الا اذا قيل عنه انه مثقف.

بالمناسبة، لا يوجد انسان بدون موهبة ما. والعراقيون قالوا ان الغباء بحد ذاته موهبة أيضا. العيب المرضي هو الادعاء بانك صاحب موهبة لا تمتلكها، فتصير تخدع الناس ونفسك بانها لديك. حتى هؤلاء “العتاوي” لديهم موهبة جيدة في الطبخ. ويمتلكون روحا خدمية رائعة. أصواتهم هادئة واصابعهم تجيد صنع “الأمزاز” بحِرفية تفتقدها أرقى مطاعم وبارات الدرجة الأولى. كنت أتمنى ان يسخّروا هذه المواهب في فتح مطعم او بار ينفعون به الناس وينتفعون.

تمنيت على هؤلاء “العتاوي” انهم حين سمعوا بالتظاهرات الأخيرة، مثلا، ان يعدوا لعامة المتظاهرين “لفات” لذيذة من ذلك النوع “المردنج” الذي يحضرونه لضيفهم “المثقف” كي يتزود بها وهو في طريقه لمطار العودة بحجة انهم يخافون عليه من اكل “البرّة”! لكنهم يفضلون إشباع بطون “القادة”. والمحصول؟ ان القادة إذا عادوا الى المنصة، ومن باب رد الجميل، سيقدمون ساقيهم وطاعمهم ليكون قائدا أيضا. من عاب هيج “رزق” وهيج “معثرات”.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *