شأن في الثقافة والمثقفين

شأن في الثقافة والمثقفين
آخر تحديث:

طالب عبد العزيز

كانت أسيجة البيوت واطئة، وكذلك أسيجة المدارس، فيها طابوق قليل، وعليها مشبك حديد، لا يحجب من نظر، لكنه مرقاة للورد وتهدل أعناق الياسمين الأبيض، لم يبن الناس أسيجة حدائقهم لكي يمنعوا لصاً، لا لصوص آنذاك. الأسيجة كمال المنازل، صورة البيت ستبدو ناقصة بدون سياج، ليس إلا. كانت أعناق الناس لا تتلفت باتجاه أبواب البيوت، هو عيب اجتماعي، هي حرمة عليهم، وهو ثقافة ومدنية، هل كان الناس يقرؤون أكثر من اليوم، ربما، لكنهم كانوا أعف يداً، وأطهر لساناً، وآنس ببعضهم،.كان بودي أن أتحدث عن الثقافة، التي باب من أبوابها اللطف والتوادد والسلام والطمأنينة والسلوك العام المتحضر وصون المدنية والعلاقة الطيبة بين الناس، الحب والصداقة والوفاء واحترام الرأي ومسامحة الخطأ وقبول الاعتذار، وما إلى ذلك، من قيم، هو قوام حياة الناس، لن أتحدث عما في بطون الكتب من القصائد والقصص والحكم، أبداً، أريد أن أتحدث عن الحب مثلاً، سيقول أحدهم، ومتى كان الحب باباً من أبواب الثقافة؟ فأقول:نعم، وهو أن تقوم الدولة بتوسعة رقعة الحديقة لتستوعب أكبر عدد من العشاق، ولتؤدب الناس بآداب الحب والعشق، هو أن تجعل من مفردة (عشق) الأكثر تداولاً بين البشر، هكذا مثلما سمعتها في أغاني الفرس والكرد والترك، بالحب وحده يمكننا أن نحيا أصحاء. سيكون لطيفاً جداً منظر سياج المدرسة لو انه ظل خاليا من صور الطواطم والشعارات الزائفة، كذلك ستكون جدران البيت والمقهى والمطعم، ارفعوا الصور والشعارات تلك وخطوا عليها أبياتاً من شعر نزار قباني والسياب، اكتبوا أغاني فيروز على أسيجة رياض الأطفال والمدارس، الأنهار والسفن الشراعية والبلابل وغزليات لميعة عباس عمارة وبيوت الشناشيل وملتقى دجلة والفرات في القرنة والنخيل والاثل في البرجسية والزوراء وغيرها الكثير هي أولى بالتعليق في البيوت والمدارس والأسيجة والأسواق، أولى بكثير من صور وشعارات الموت. لا أعرف، لماذا لم تتخذ إدارة التربية، إجراءً رادعا بحق المعلم، الذي لم يجد ما يمتّع به طلابه، في السفرة المدرسية سوى تعليمهم كيفية غسل الميت وتكفينه، أي صمت مريب يكمن وراء ذلك؟ ولماذا يستمتع هؤلاء بصورة الموت أكثر من استمتاعهم بصورة الحياة ؟ يقول أحد موظفي الدولة العراقية أيام الملكية، بأنه أكمل دراسته الإعدادية في لندن، وأنَّ أول درس تلقاه هناك، كان عن كيفية الأكل، نعم، كيف يأكل الإنسان، وهو يقول:هناك تعلمتُ أن أمسك السكين بيدي الشمال والشوكة باليمين. سيأتي من يقول لنا:وما شأن الطعام بالثقافة؟ لنقول له: بل الشأن كله، وفي صبغ الحذاء أيضاً، وفي انتظار الباص، وفي الكلام مع الآخرين، وفي مسك ذراع الزوجة والحبيبة، وفي الاعتناء بحديقة المنزل والمدرسة ودخول السينما ولبس الجميل من الثياب وفي حلاقة الذقن وتقليم الأظافر والدخول إلى المطبخ ووجود كيس المناديل الورقية على الطاولة وفي اختيار العطر، الذي منه ما يعطر السيارة ودورة المياه. سيقول آخر: أكل ذلك من الثقافة؟ فنقول: نعم، ومتى كانت الثقافة غير ذلك؟

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *