شناشيل : أصحاب مشروع التسوية.. هل يتداركون الخطأ التاريخي؟

شناشيل : أصحاب مشروع التسوية.. هل يتداركون الخطأ التاريخي؟
آخر تحديث:

 

عدنان حسين

هذا ما حصل من قبل بالتمام والكمال، بدل المرة الواحدة مرات عدة. والآن يحصل الشيء نفسه تقريباً. وكما انتهى ما حصل من قبل الى النسيان، فالأرجح أن ينتهي ما يحصل حالياً إلى المآل ذاته.

المعنيُّ بهذا الكلام مشروع التسوية التاريخية أو الوطنية في العراق، الذي لم يزل يلفّ ويدور في دائرة القوى السياسية، وبالذات القوى صاحبة السلطان والنفوذ في الدولة العراقية الحالية. وأصحاب هذا المشروع يقتفون آثار أصحاب مشاريع المصالحة السابقة التي لم يعد يذكرها بكلمة خير حتى أصحابها، فالاتصالات والمشاورات، ومعها المساومات، بشأن المشروع الجديد تنحصر الآن أيضاً في الأروقة السياسية نفسها، ولا يريد أصحابه الانطلاق به الى فضاءات أرحب.

مشاريع المصالحة السابقة اصطدمت دائماً منذ بداياتها بالمصالح المتضاربة والمطامع المتعارضة للقوى التي أريد اجتذابها إليها، فلم يسجّل أي مشروع هدفاً واحداً في المرمى، لأن كل واحدة من تلك القوى كانت تتحفظ على هذا البند أو ذاك أو تعترض على هذه الفقرة أو تلك أو ترفض هذه الفكرة أو تلك. وهذا ما يحصل الآن مع مشروع التسوية.

لو أن أصحاب المشاريع السابقة قد اختاروا لركلة البداية زاوية مختلفة، ربما كانت كراتهم أو بعضها ستصيب الهدف. والبداية كان يمكن أن تكون مع المثقفين من كتّاب وأكاديميين وخبراء في اختصاصاتهم الاجتماعية والاقتصادية والعلمية، ليناقشوا المشروع المطروح ويقترحوا الصيغة المتماشية مع الواقع السياسي والاجتماعي والأمني، فيتقلّص هامش الخلاف والاختلاف بين القوى السياسية، ويصبح المشروع أكثر قابلية للحياة.

المشكلة أن الطبقة السياسية المتنفّذة في السلطة، والداخل في قوامها عدد لا يستهان به من انصاف المتعلمين وأرباعهم، تحتقر الثقافة والعلم والخبرة والاختصاص (اسألوا مثلاً عن تخصيصات وزارة الثقافة والمؤسسات العلمية والثقافية والفنية في الموازنات العامة السنوية للدولة، وعن مصير وزارة العلوم والتكنولوجيا)، ولا تريد للمثقفين أن يمسّوا مشاريعها التي لهذا السبب ولغيره من الأسباب انتهت حياتها مع انتهاء الطعام المفروش على موائدها .

عند صياغة الدستور، اختار السياسيون وأشباههم أن يتولّوا المهمة بأنفسهم من دون الاستعانة بخبراء القانون الدستوري والاجتماع والاقتصاد والسياسة، فأصبح دستوراً مذموماً حتى ممّنْ كتبوه وتحمّسوا في الجمعية الوطنية للتصويت على تمريره إلى الاستفتاء العام. وكذا الحال في القوانين التي شرّعها مجلس النواب في دوراته المختلفة على مدى أكثر من عشر سنوات.

والآن لو أن أصحاب مشروع التسوية الحالي قد طرحوا على نخب مختارة من المثقفين وذوي الخبرة والكفاءة، لكانوا قد حصلوا على أفكار تفيدهم في تعديل مشروعهم وتقويمه قبل تداوله، وفي تقصير المسافات في ما بينهم وبين القوى التي تتحفّظ عليه الآن أو تعترض أو تعارض.هل يتداركون خطأهم ويفعلونها؟ … لن يفعلوها بالتأكيد !

 

 

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *