شناشيل :: امسك حرامي!

شناشيل :: امسك حرامي!
آخر تحديث:

 

   عدنان حسين

لم يعش رئيس الوزراء نوري المالكي فترة منفاه أو جزءاً منها في دولة ديمقراطية.. نعرف هذا، لكن من غير المعقول ألاّ يكون لديه اطلاع كاف على الأحوال في البلدان الديمقراطية، بحسب ما فهمنا مما أفاد به أمس في ملتقى بغداد الدولي الثاني لمكافحة الفساد المنعقد في العاصمة.

السيد المالكي قال إن “نهب الثروات والفساد يحصل بشكل عام في ظل الأنظمة الدكتاتورية اثر التداعيات والانهيارات التي تحصل في تلك الدول، ولا يحصل ذلك بالدول الديمقراطية بل في الدول الشمولية، وهذه التداعيات مرتبطة بالعمل السياسي”.

ما من دولة ديمقراطية لم يحصل فيها فساد مالي واداري، ولو كانت للسيد المالكي متابعة جيدة لشؤون البلدان الديمقراطية لعرف انه حتى في بريطانيا واليابان وسويسرا والولايات المتحدة تحصل حالات فساد، وانه من المعتاد أن يستقيل رؤساء جمهورية ورؤساء حكومات ووزراء وسواهم من كبار المسؤولين على خلفية تورطهم أو أقارب لهم أو موظفين في مكاتبهم في قضايا فساد مالي واداري. لكن الأمر الحسن ان الفساد المالي والإداري ليس ظاهرة مستشرية ومتفاقمة في البلدان الديمقراطية، كما هي الحال عندنا، وهذا راجع الى التزام الدولة الديمقراطية بالشفافية وبحرية التعبير. الحكومة وسائر مؤسسات الدولة في البلدان الديمقراطية ملزمة بالكشف عن كل ما يتعلق بنشاطاتها ونفقاتها وإيراداتها، وملزمة كذلك بتمكين الصحفيين، بل حتى المواطنين العاديين، من الوصول الحر الى المعلومات والبث الحر لهذه المعلومات.

في هذه البلدان ليس في وسع شرطي أو موظف كبير أو صغير أن يقف في وجه الصحافة التي تسعى للتحقيق في معلومات تلقتها من مصادرها داخل الدولة أو خارجها. وفي هذه البلدان أيضاً لا يختلق الشرطي أو الموظف مشكلة مع الصحفي اذا ما أصر هذا الاخير على الوصول الى مصادر المعلومات، ولا يهدد الصحفي بأن يرفع الى رؤسائه تقريراً زائفاً بشهادة مزورة من زملائه يتهم فيه الصحفي بالتعدي على موظف عمومي أثناء أداء الخدمة، كما يحصل لدينا.

وفي الدول الديمقراطية لا يتستر رئيس الدولة أو رئيس الحكومة أو الوزير على قضايا الفساد لدى الوزراء أو المسؤولين من حزبه أو من الاحزاب الحليفة، كما يحصل لدينا.. وفي الدول الديمقراطية لا يجامل القضاء الحزب الحاكم وكبار المسؤولين في الدولة ولا يحابيهم ولا يذعن لإرادتهم كما يجري لدينا.

ما معنى كلام السيد المالكي؟ معناه اننا، بوصفنا دولة ديمقراطية، محصنون من الفساد المالي والاداري. وهذا المعنى يؤدي موضوعياً الى تشجيع الفَسَدة في دولتنا على مواصلة فسادهم، مطمئنين الى الحصانة الموهومة لدولتنا “الديمقراطية” من الفساد!

نحن دولة من أفسد دول العالم.. ليست تقارير المنظمات الدولية المعتبرة البرهان الوحيد على هذا، فالدليل موجود في كل زاوية من زوايا مجتمعنا المتخلف البائس، وفي كل ركن من اركان الشوارع والدرابين والساحات في مدننا وبلداتنا وقرانا المتروكة لمصيرها الذي لا يحسدها عليه أحد حتى في الدول التي لا تنتج برميل نفط واحداً في السنة .. كل شيء في زوايانا وأركاننا يصرخ: “امسك حرامي”!.

 

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *