شناشيل : مطلوب عملية مراجعة وتهذيب

شناشيل : مطلوب عملية مراجعة وتهذيب
آخر تحديث:

 

عدنان حسين

المسيحية الأوروبية حتى نهاية القرون الوسطى وبداية العصر الحديث كانت متوحّشة للغاية، كما هو الإسلام الذي تتبناه الآن القاعدة وطاليبان وداعش والنصرة وبوكو حرام وحركة الشباب الصومالية وسواها من المنظمات المتطرفة – الإرهابية.

مسيحية تلك الحقبة كانت تعدم وتحرق حتى المفكرين وتغزو وتخوض الحروب الدينية والطائفية، وتسبي وتأتي بكل ما يستنكره ويندّد به الآن العالم كله من ممارسات للمنظمات الإرهابية التي تخوض حربها فقط ضد الديانات والمذاهب الأخرى، بل أيضاً ضد الإسلام نفسه، فأعداد الضحايا وكمية الدمار المترتب على ممارسات المنظمات المتطرفة هي بين المسلمين وفي العالم الإسلامي أكبر بما لا يقاس مما في “بلاد الكفر” المزعومة.

لكن الكنيسة الأوروبية في تلك القرون وجدت نفسها في صراعات مهلكة ومدمرة مع مجتمعاتها والمجتمعات الأخرى، ولم تر في النهاية بدّا من التهذّب والتعقل والاعتدال لكي تبقى المسيحية ولا تفنى في تلك الصراعات، فكانت أن انبثقت حركة الإصلاح التي قادت الى عصر النهضة والصناعة واختراع النظام الديمقراطي، فصار الدين لله والوطن للجميع، ما نجم عنه أن تحولت أوروبا إلى مركز للعالم المتحضر المتقدم على نحو عاصف والمرفّه بدرجة كبيرة.

نحن في العالم الإسلامي نبدو اليوم وكأننا نسخة مكرّرة لأوروبا في تلك الحقبة المظلمة، فهذه الاندفاعة المتطرفة لقوى ومنظمات إسلامية تعيد إنتاج ممارسات متوحشة في تاريخنا والتاريخ الأوروبي على حد سواء.

أوروبا المسيحية تعقلنت وتهذّبت وتحضّرت بالتعليم والعلم وبالأدب والفن وبتهذيب التعاليم الدينية نفسها، فلم تعد الكنيسة تفسّر نصوص الإنجيل على وفق ما كان يفسّره الباباوات والأساقفة والكهنة في عهد التوحش المسيحي – الأوروبي… أُعيد النظر في النصوص وفي الطقوس كذلك، وهذا بالضبط ما نحتاج إليه اليوم في العالم الإسلامي.

من المستحيل مواجهة الأصولية المتطرفة مع الإبقاء على المناهج الحالية لتدريس مادة الدين في مدارسنا.. هذه المناهج هي التي تمهد الأرض الخصبة وتهيء البيئة المناسبة للتطرف والإرهاب ومنظماتهما، لكي تجتذب الشباب الغرّ الخاوي والمُحبط والمهمش إلى صفوفها وإعدادهم مقاتلين شرسين ضد مجتمعاتهم والعالم كله.

مصر أعادت في الآونة الأخيرة النظر في منهاج التربية الدينية في مدارسها، وإقليم كردستان أوقفت سلطاته الأسبوع الماضي عن العمل عدداً من خطباء الجوامع الذين بدلاً من أن ينددوا بالممارسات الفظيعة لداعش، درجوا على شتم مذاهب إسلامية وديانات وحركات سياسية معينة. إجراءات من هذا الطراز ضرورية لمواجهة الحركات المتطرفة والإرهابية التي ترفع راية الإسلام فيما تُسيء إلى الإسلام وتُظهره بمظهر الدين المتوحش على غرار ما كان سائداً في أوروبا في الحقبة الممتدة من القرون الوسطى إلى بداية العصر الحديث.

لا مناص من عملية مراجعة وتهذيب للمناهج والتعاليم والطقوس لإنقاذ الإسلام من أكبر عملية تشويه يتعرّض لها الآن.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *