ضياع حقوق الشعب بين العمامة والرصاص

ضياع حقوق الشعب بين العمامة والرصاص
آخر تحديث:

 

  احمد الربيعي

فُطرت البشرية على الايمان ، والعبادة ، والاعتقاد بوجود قوة عظمى خلقت الكون وهي قادرة على فعل اي شيء واليها يرجع الامر في البدء و الأخر. وبالرغم من اختلاف اشكال هذا الاعتقاد ، من الاديان السماوية الى المذاهب المادية والاشتراكية وحتى الليبرالية ، فأن النتيجة واحدة ، وهي ان الفرد لا يمكن أن يعيش من دون وجود عقيدة يؤمن بها.

وتبعاً لهذه العقيدة وعلى ضوء ما تفرضه من احكام تكون افعال الفرد خاضعة لها ، وهذا الامر يظهر جلياً في الاديان الثلاث، على الرغم من وجوده في بقية المعتقدات، حيث والى اي حد وصل الفرد في المراكز الاجتماعية والسياسية ترى انه يقف خاضعا امام هذا الاعتقاد، والبعض يتصرف على هذا النمط ليس من دافع الايمان وحسب، بل يكون تصرفه نتيجة لضرورة التزامه بهذه العادات والتقاليد الاجتماعية ولكونه بحاجة الى كسب ود الاخرين و ان لا يظهر بمظهر المتمرد على تلك التقاليد والاعراف.

نعم هذا يعتبر من اشكال النفاق الاجتماعي ، ولعمري ما اكثره في وقتنا الحاضر، فكم منا يتصرف على شاكلة معينة وهو بداخله يرفض هذه الامور، وكم منا يؤدي بعض الطقوس رغما عنه ، ليس الا لكسب رضا الاخرين او تماشيا مع العادات والتقاليد ، هذا من جهة، ومن جهة اخرى، ترى ان البعض ينقلب او قل ينتفض على تلك التقاليد او الاعراف ، وحسب رؤيتي ان الشخص الذي يرفض ما لا يؤمن به افضل حالا من شخص اخر (يضطر) للقبول واداء تلك الامور وهو بداخله لا يؤمن بها، فالشخص الاول وبغض النظر عن كونه مصيب ام مخطئ فهو واضح وصريح وغير مرائي ، على عكس النوع الثاني ، الذي يستخدم اسلوب النفاق للوصول للغايات او لتحقيق مأرب .

ان التركيب (الانثروبولجي) للشعب العراقي عموما ، ولأبناء الجنوب والوسط بشكل خاص يمتاز بتبعيته والتزامه (الى حد ما) بالتعاليم الدينية وتقديس تلك التعاليم ، وحتى نقل تلك القدسية لرجال الدين او من يدعي حمله لرسالة تبليغ الدين. حيث ترى ان التقديس و (البابوية) التي يكنها افراد المجتمع تتخطى في بعض الاحيان التعاليم الدينية ذاتها، ولا اقصد بقولي هذا التقليل او الاستهانة بحملة الرسالة او عنوان رجال الدين ، ولكن الاونة الاخيرة اصبحت هناك ملامح لتلطخ هذا العنوان بالكثير من السهام التي تثير الشكوك، وكما قيل للسيد الشهيد الصدر الثاني وتحديدا عام 1997 (وكنت شاهدا على هذا الحديث) ، ان رجال الدين او بالعامي (المعممين) يسرقون، وقد اجاب السيد الصدر بأجابة دقيقة وقال، لا تقل المعممين يسرقون بل قل سارق ارتدى عمامة ، وهذه الاجابة تحمل الكثير من المعاني التي لو طبقنا مصادقيها على الوقت الحاضر لوجدنا تفسيرا لما يحدث وسيحدث لاحقاً.

اضافة الى القدسية الممنوحة لتلك العناوين فأن ثقة المواطن بها ترقى الى مستوى كبير جعل من هذا المواطن تسليم زمام اموره ومستقبله وحاضره بيد تلك الشخصيات ، وهو محق حيث ومن باب الفطرة الانسانية والمنطق العقلي ان من يحمل رسالة ابلاغ الدين ويأخذ على عاتقه مسؤولية التوعية وارشاد المجتمع يكون مترفع عن جميع المصالح الدنيوية الا ما يصب في مصلحة الدين وبطريق اولى بمصلحة الافراد.

وللافراد حقوق وعليهم واجبات ، ومن حق الفرد المطالبة بحقوقه ، وهو امر كفله الدين والدستور والاعراف الاجتماعية والتقاليد في كافة انحاء العالم ، فلا احسب ان من يطالب بحق من حقوقه يكون خارجا عن الدين والملة ، ولا ارى ان رفع الصوت لاسترداد ما اخذ من حق يعتبر امر مشين، بل (الساكت عن الحق شيطان اخرس) ، وعلى سبيل المثال لا الحصر ، ما خدث في محافظة البصرة (المنكوبة منذ عشرات السنين المخصوب حقها وحق ابناءها ) ، هذه المحافظة هي التي تمد العراق برغيف الخبز، العراق يعتاش على خيراتها ، رواتب الساسة و رواتب الموظفين و المشاريع وكافة الخدمات مصدرها وممولها محافظة البصرة، وليت شعري ، فالمحافظة تعيش حالة من البؤس والفقر المدقع ، نفطها يباع وتصادر امواله الى رواتب من يجلس في اوربا ، لا يوجد عمران في حين ان اموال نفطها تعمر فيه القصور وتبنى البيوت وتعبد الشوارع والحدائق ، ولن استغرب اذا حمل ابناءها السلاح ، يا عزيزي القارئ ، اذا كان في بيتك كنز ، ويأتي جارك ويستخرج كنزك ويبيعه وان تعيش حالة من الفقر، ابناءك عاطلين عن العمل ويستجدون رغيف الخبز ، ماذا انت فاعل …..

لو لم تكن البصرة على الخليج ، لو لم يكن فيها نفط، وهي تعتاش على نفط (الموصل، بغداد، ديالى، او الانبار) ماذا سيحدث برأيك ……….

وعندما يخرج الابناء للمطالبة بـ 1% من حقوقهم ، والمطالبة كانت سلمية ، اولا تطلق اتهامات على تلك المطالب بأنها مسيسة ، ينعت المتظاهرون بانهم مخربين، يهددون ….ومن ثم يتم تصفيتهم بالرصاص الحي ، امام اعين الناس ….. وفي الختام يطالبهم من كانون يثقون بهم من (اصحاب العمائم)  وحملة الدين ان يكفوا عن مطالبهم ، وان من يطالب بحقوقه يكون خارج الملة والدين ، وليت من اطلق هذه الادعاءات ان يعيش يوم واحد من دون خدمات ، كهرباء ، لا يمتلك مصدرا للعيش ، وبعدها تعال واطلق هذه العبارات ، انك يا من تدعي التدين تعيش حالة من الترف ، محاط بحرس شداد ، تنعم (بالتبريد والسبلت) ، لا تنهض صباح كل يوم لتطلب رزقك في الشارع ، بل تأتي اليك حقائب (الشدات)….

رسالتي الى أهلي في البصرة، والى جميع من سلبت حقوقهم، لا تعيروا اهتمام لهذه التصريحات … الحقوق لا تعطى بل تؤخذ… لا تنخدعوا بكلام اصحاب المصفحات … اصحاب المليارات … انظروا فقط كيف ينعم هؤلاء بثرواتكم ….وكيف انتم تعانون ….

وللحديث تتمة …..

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *