فراغ ديني و قانوني و أخلاقي و ليس فراغ دستوري

فراغ ديني و قانوني و أخلاقي و ليس فراغ دستوري
آخر تحديث:

بقلم: خالد ابراهيم

إشترك 20% من الشعب العراقي في إنتخابات 2018 و حوالي نصفهم أي 10% من الشعب العراقي أعاد إنتخاب الساسة المخضرمين و النصف الآخر أي 10% من الشعب العراقي صوتوا للتغيير و إنتخبوا وجوها ً جديدة و لكنهذا التغيير أثار حفيظة المخضرمين و وجدوا فيه بأنه بداية نهايتهم و لذلك لجأوا إلى ممثليهم في مفوضية الإنتخابات لتزوير نتيجة الإنتخابات ليبقوا في السلطةو لكن اللّـــه سبحانه و تعالى فضح هذا التزوير نصرة ً للحق و للأبطال الذين صوتوا للتغيير مصداقا ً لقوله تعالى “وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ” (الروم 47) و “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (محمد7). وعندها تعالت الأصوات تنادي باستخدام العد و الفرز اليدوي لأوراق الإقتراعبدلا ً من الأجهزة الألكترونية التي أستخدمت للتزوير و لإخفاءه لأنه ليس منالدين و ليس من القانون و ليس من الأخلاق تشكيل برلمان قائم على التزوير. وهنا جاء الرد بضرورة إعتماد نتائج الإنتخابات كما هي لأن عمر البرلمان سينتهي و أن هذا سيجعل العراق في فراغ دستوري و سوف لن يكون هنالك برلمان يراقب عمل الحكومة مما يؤدي إلى الفوضى. و من يقول هذا الكلام فإنه إما جاهل أو يتجاهل. فهو جاهل إن كان لا يعلم بأن البرلمان هو أساس الخراب الذي يحل بالعراق، فالبرلمان كان موجودا ً خلال السنوات الطويلة السابقة و لم يفعل شيئا ً للحكومات التي كان يشكلها و التي كانت تحدث الخراب. أو هو يتجاهل لأنه يعلم بأن البرلمان هو أساس الخراب الذي يحل بالعراق و لكنه يقول هذا الكلام لإستغفال الشعب بمصطلحات رنانة لا وجود لها في دستورنا و لا حتى في دساتير أعرق الديمقراطيات العالمية، فالمملكة المتحدة حتى ليس لها دستور مكتوب، و ذلك لإقناع الشعب على قبول برلمان قائم على التزوير دون إعتبارات دينية و قانونية و أخلاقية.

التزوير لغة ً هو تَقْليد الشيء أو تَزْييف الوقائع. و قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 في المادة 268 عرف التزوير بأنه تغيير الحقيقة بقصد الغش في سند أو وثيقة أو أي محرر آخر باحدى الطرق المادية و المعنوية التي يبينها القانون، تغييرا من شأنه إحداث ضرر بالمصلحة العامة أو بشخص من الأشخاص. و المادة 289 من القانون أعلاه بينت عقوبة التزوير بأنه، في غير الحالات التي ينص القانون فيها على حكم خاص، يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس عشرة سنة كل من إرتكب تزويرا ً في محرر رسمي. و بالنسبة لجرائم التزوير في الإنتخابات فإن أحكامها خاصة و وردت في المواد 31 – 37 من قانون إنتخابات مجلس النواب العراقي رقم 45 لسنة 2013. و ما جاء في القرآن الكريم بشأن التزوير فإن اللّـــه سبحانه و تعالى قال “فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ” (الحج30) و “وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً” (الفرقان72). و قال الرسول صلى الله عليه و على آله و صحبه وسلم “ألا أنبئكم بأكبر الكبائر الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور“ (أو قول الزور)، و كان صلى اللّـــه عليه و على آله و صحبه وسلم متكئا ً فجلس، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت. و لكن على الرغم من كل هذا الرادع الديني و القانوني يطلع علينا من يحذرنا من ما يسمى بالفراغ الدستوري و كأن الفراغ الدستوري جريمة يندى لها الجبين و التزوير شطارة يستحق صاحبها التقدير.

إن الذين يتحججون بما يسمى بالفراغ الدستوري يستندون على المادة 56 –أولاً من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 و التي تنص (تكون مدة الدورة الإنتخابية لمجلس النواب أربع سنوات تقويمية، تبدأ بأول جلسة له، و تنتهي بنهاية السنة الرابعة)، و أن الدستور لم يعالج حالة مجلس النواب عند إنتهاء مدة دورته الإنتخابية في حال لم تجر إنتخابات لتشكيل مجلس نواب جديد، و هذا يبين أن الذين كتبوا الدستور لم يكونوا واسعي الأفق ليعالجوا مثل هذه الحالة.

إن هؤلاء الذين يحذرون من عواقب بما يسمى بالفراغ الدستوري عليهم أن يحذروا من عواقب التجاوز على مبدأ السيادة للقانون الواردة في المادة 5 من الدستور (السيادة للقانون، و الشعب مصدر السلطات و شرعيتها، يمارسها بالإقتراع السري العام المباشر و عبر مؤسساته الدستورية) و التي منها المادة 268 من قانون العقوبات التي تجرم التزوير. فما يسمى بالفراغ الدستوري ليس جريمة واردة في قانون العقوبات و لكن تزوير نتائج الإنتخابات جريمة ضد العراق و شعب العراق.

و كان على هؤلاء إحترام إرادة الناخب العراقي في إختيار ممثليه في البرلمانبالإقتراع السري المباشر الوارد في المادة 49 من الدستور (يتكون مجلس النواب من عدد من الأعضاء بنسبة مقعد واحد لكل مائة ألف نسمة من نفوس العراق يمثلون الشعب العراقي بأكمله و يتم إنتخابهم بطريق الإقتراع العام السري المباشر) و ليس تنصيب ممثلين عنه بالتزوير.

و كان على هؤلاء إحترام مبدأ تداول السلطة سلميا ً عبر الوسائل الديمقراطية المنصوص عليها في المادة 6 من الدستور (يتم تداول السلطة سلميا ً، عبر الوسائل الديمقراطية المنصوص عليها في هذا الدستور) و ليس إعتماد التزوير مبدأ للتمسك بالسلطة.

و كان على هؤلاء الدفاع و التباكي على المتطلبات الأساسية للشعب العراقيالواردة في المادة 30 من الدستور (أولا ً- تكفل الدولة للفرد و للأسرة، و بخاصة الطفل و المرأة، الضمان الإجتماعي و الصحي، و المقومات الأساسية للعيش في حياة ٍ حرة ٍ كريمة، تؤمن لهم الدخل المناسب، و السكن الملائم. ثانيا ً- تكفل الدولة الضمان الإجتماعي و الصحي للعراقيين في حال الشيخوخة أو المرض أو العجز عن العمل أو التشرد أو اليتم أو البطالة، و تعمل على وقايتهم من الجهل و الخوف و الفاقة، و توفر لهم السكن و المناهج الخاصة لتأهيلهم و العناية بهم، و ينظم ذلك بقانون) و ليس الدفاع و التباكي على حالة وهمية لحماية مصالحهم الشخصية.

و كان على هؤلاء التفاني لضمان حصول الشعب على إستحقاقه من ثروة النفط و الغاز الواردة في المادة 111 من دستور جمهورية العراق (النفط و الغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الأقاليم و المحافظات) و ليس التفاني على تشكيل برلمان قائم على التزوير للإستمرار بتبديد ثروة النفط و الغاز.

أما تلميح البعض بالحرب الأهلية في حالة إعتماد العد و الفرز اليدوي بدلا ً من إعتماد نتائج الإنتخابات المزورة فهو يدل على خلل ديني و قانوني و أخلاقي خطير في المجتمع بوجود ساسة و أتباع لا يؤمنون بالدين و لا بالقانون و لا بالأخلاق التي تفرض تبني العملية السياسية الديمقراطية الواردة في الدستور و لكنهم يريدون الإستحواذ على السلطة بقوة السلاح.

و أخيرا ً و هذا هو المهم على أولئلك الذين يريدون تشكيل مجلس نواب عتمادا ً على التزوير و على الشعب الساكت عن هذا الفساد أن يتدبروا قول اللّـــه سبحانه و تعالى “وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ” (هود 117)فإستمراء الفساد لن يجلب لنا إلا ّ الهلاك الذي يطال جميع أركان المجتمع، الحجر و البشر، الصغير و الكبير، الطالح و الصالح.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *