في بنياهُ جيمٌ جيش لولاهُ لايحلو العيش … جيشنا الحبيب في ذكراك ٩٨

في بنياهُ جيمٌ جيش لولاهُ لايحلو العيش … جيشنا الحبيب في ذكراك ٩٨
آخر تحديث:

بقلم:نوري غافل الدليمي

عام ١٩٧٤ تخرجتُ من الاعدادية ولم يكن في ذهني يوما ما أنْ أكون عسكرياً أبداً لأنني عشقتُ اللغة الانگليزية حيث ارضعنياها حُباً معلم اللغة الانگليزية في مدرسة الفتوة الابتدائية المُربي الجميل ابو عزام استاذ محمود جميل طول الله عمره ثم الاساتذة الفريد وبنيامين وسعد ، ووسط عُشاق هذه اللغة الزملاء حازم حكوش وفرج حكوش وجسام محمد موسى ، لذلك كتبتُ كلية واحدة في استمارة التقديم للكليات اسمها ( كلية الآداب – قسم اللغة الانگليزية ) وفعلاً حصلت هذا التخصص، لكن مالذي حصل ؟؟

وصلنا تبليغ من التربية بحضور الاوائل على العراق في قاعة في المحافظة وجاءنا عضو مجلس قيادة الثورة وزير التربية المرحوم محمد محجوب ومعه رئيس الاتحاد الوطني لطلبة العراق الاستاذ كريم محمود حسين ” كريم الملا” وإذا بهم ينقلون لنا تحيات السيد الرئيس احمد حسن البكر ” رحمهُ الله ” قائلين ( والدكم يسلم عليكم ويهنئكم بالتفوق ويقول تذهبون الى الكلية العسكرية )، اصابنا الذهول لان القبول في الكلية لا يستلزم اكثر من ٦٠٪؜ فراح البعض يتمتم والآخر يتأفف ، قالوا لنا غداً تكونوا في بغداد حيث تجمع كل أوائل العراق ، وفعلاً ذهبنا واذا بالعدد ربما اكثر من ٣٠٠ طالب متفوق ، وجاءنا الاستاذ كريم الملا ( طول الله عمره ) وشرح لنا سبب قرار الرئيس احمد حسن البكر واختصارهُ ( نريد علماء في جيشنا نريد ان نبني جيشاً علمياً على ضوء تجارب حرب تشرين ١٩٧٣).

إعتذرَ العشرات من الطلاب باعذار كثيرة ، وفعلاً اعفوا قسماً منهم اما البقية فيذهبون للفحص الطبي ثم المقابلة ، دخلتُ الفحص الطبي وكان وزني كفيلاً بافشالي حيث طلع ٤٨ كيلو فيما المطلوب ٥٠ كيلو ، لكن قالوا لا هذا احسن مقبول ، روحوا للمقابلة ، جرت المقابلة في نادي الضباط في باب المعظم جوار وزارة الدفاع ، صاحوا اسمي ودخلتُ للمقابلة وكنا قد عرفنا اسماء الذين يقابلون وكلهم قادة في حزب البعث اعضاء مكتب عسكري واذكر كامل ياسين وسهيل الانباري ومحمد الدوري وحكمت لؤلؤة( رحمهم الله جميعاً ) ، فوجهوا لي اسئلة وكان آخر سؤال هل انت بعثي ؟ قلتُ لا ، قالوا ليش ؟ قلت انا في قرية اسمها جويبة يقولون اهلنا الدين الاسلامي وصلها ١٥سنة بعد دخول الاسلام للعراق شلون يصلها الحزب ب ٦ سنوات ؟ فانفجروا بضحك جميعهم فقال المرحوم كامل ياسين ( إنتَ إملعبْ أنتَ مقبول ).

وبعد بضعة ايام ظهر قبولنا وعددنا ٥٠ فقط والتحقنا في نادي الضباط ووقعت عيني على أجمل وأوسم ضابطين ربما رأيتهم سابقاً ( النقيب حسن جاسم الساعدي والملازم الاول نزار يونس عاشور – رحمهما الله )، اخذونا للكلية العسكرية والتقانا المرحوم آمر الكلية العميد الركن داود الجنابي .

بدون مقدمات ثاني يوم نحن في ساحة العرضات نتدرب وكان ذلك يوم ١٩٧٤/٩/٢٨ ولا رحمة في التدريب طيب ( أين علماء الجيش )؟

في اليوم الثالث نزلت من سدة الرستمية سيارات سوداء ومباشرةً دخلت ساحة العرضات واذا به الرئيس المرحوم احمد حسن البكر وبقي معنا يراقب التدريب ثم أمر بانسحابنا الى سينما الكلية العسكرية ، وألقى لنا محاضرة بهدوءه المعتاد وتواضعهُ الأبوي ، فكانت القرارات الراتب ٥٠ دينار فيما كان راتب طالب الكلية ٤ أو ٦ دنانير ، قدم ممتاز لمدة سنة للذي يتخرج بمعدل اعلى من ٨٠٪؜ ومخصصات تفوق ( سموها مخصصات البكر ) ٢٥٪؜ من الراتب الاسمي ، ويتولى اساتذة جامعة بغداد تدريسنا الفيزياء والكيمياء والرياضيات والاقتصاد والعلوم السياسية ،وقال جئتُ لكم بآمر دورة البكر الاولى واحد من افضل ضباط الجيش العراقي انه الرائد الركن عبدالكريم محمود العيثاوي ( الراحل الاب والمعلم والآمر اللواء الركن عبدالكريم العيثاوي ابو عمر رحمهُ الله) ثم غادر فنهض احد طلاب الدورة ( المرحوم عباس فاضل الطائي الذي اصبح شاعر القوات المسلحة ) فألقى قصيدة فوقف الرئيس البكر وصفق له وغادر .

بعد حوالي شهر زارنا الرئيس البكر وقال اولادي انتم ٥٠ فقط انتم اولادي الآن اخيركم بالبقاء او الاستقالة وتلتحقون بكلياتكم المدنية ، فأصر الجميع على البقاء عدا ( عبدالمحسن عبود لفتة من النجف وعدنان الموسوي من البصرة رحمهما الله استقالوا) والبقية جلب لنا اوراق بيضاء وكان معه ابن عمنا المرحوم العقيد ابراهيم عباس الدليمي ابو خالد رحمه الله وكتبنا بخط ايدينا رغبتنا بالبقاء.

لم أشعر بالندم أبداً بل أشكر الله الذي اختار لي ولأخوتي طريق الرجولة طريق الفخر طريق العز ، وعشقنا العسكرية وافتخرنا بحرف ” ج ” الدال على الجيش ، تدربنا بعنف ودرسنا بشغف وصارت اجسامنا قوية وافكارنا متفتحة ، بقينا في الكلية سنتان إلا قليلاً ووزعونا على الصنوف وكان صنفي ( درع ) وكنتُ الطالب الاقدم لطلاب الدروع من دورة البكر ودورة ٥٥ لكن بنفس يوم التحاق الطلاب الى الصنوف انا غادرت الى ساند هيرست في بريطانيا انا والاخ حميد عباس الدليمي يوم ١٩٧٦/٨/٦ وتحول صنفي الى مشاة، وانطلقنا بحمد الله .

ومن المفارقات انني بعد ان وصلت الى رتبة عميد ركن وجدتُ أنّ اسمي مؤشر في تجنيد الرمادي ( متخلف عن الخدمة العسكرية ) لانني لم اراجع لاستخراج دفتر الخدمة العسكرية لان العمر كان ١٧ سنة !!!

واستمرت حياتنا العسكرية بدورات داخلية وخارجية وبمناصب مختلفة الى يوم ٢٠٠٣/٤/٩ ، واعطاني الله فرصة البقاء ضمن الجو العسكري ودرستُ مناهج كليات الاركان والحرب والدفاع البريطانية والامريكية واشغلت موقع خبير باحث ثم معلم أول في دولة الامارات الى منتصف سنة ٢٠١٥، هذا منحني مزيداً من المعرفة فيما يدور في عقائد الآخرين بعد ان انحرمنا منها منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي .

جيش العراق بحق مفخرة للعراقيين وللعرب ، قاتل دفاعاً عن العرب ، ساهم في تأسيس جيوش عربية كثيرة ، روت دماء شهداءه الابرار ارض العراق ومصر وفلسطين والاردن وسوريا ولبنان رأيتُ قبورهم بأم عيني في غور الاردن وفي المفرق وفي سوريا .

في ذكراكَ الثامنة والتسعون سيدي حيش العراق لكَ كل الحب والوفاء والاحترام وثق بالله انكَ تسري في عروقنا الى مماتنا .

في ذكراكَ سيدي ( ج) سيبقى جيش العراق فوق اهواء ورغبات الطائفيين والعرقيين والحاقدين .

في ذكراك سيدي ( ج ) نترحم على الآباء المؤسسين وعلى قادتنا وآمرينا ومعلمينا ونبتهل الى الله بإطالة عمر الأحياء منهم .

في ذكراكَ سيدي ( ج ) نهنئي كل منتسبي الجيش العراقي الباسل ضباطاً ومراتباً وجنوداً وموظفين مدنيين .

عاش الجيش العراقي ، عاش عاش

عشتم وعاش العراق، عشتم وعاش الجيش

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *