قرصنة الكتب أنموذجاً

قرصنة الكتب أنموذجاً
آخر تحديث:

ابتهال بليبل 

تخيّل أنك اضطررت للتجوال في كل ازقة ومكتبات شارع المتنبي، حيث قررت البحث عن رواية عالمية. إذ لا شيء يخطر ببالك غير الحصول عليها ولكن تبدو اسعارها مرتفعة نوعا ما، ثم عثرت على نفس الرواية أو بعض الاصدارات الحديثة مثل كتب احلام مستغانمي وأليف شفق وأدهم عادل وغيرهم، معروضة على أحد الأرصفة بطريقة هزيلة. لكن تخيّل، هذه – البسطية- المتواضعة تحتوي على مختلف الكتب المهمة والنادرة. وعندما تمسك الرواية في محاولة لتقليب صفحاتها سيلفت انتباهك ، نوعية ورقها الاقل جودة وسعرها القليل مقارنة بسعرها الحقيقي. لم يكن صاحب -بسطية -هذه الكتب الوحيد الذي يعرضها بأقل من سعرها الأصلي بنسبة قد تصل إلى خمسين بالمئة، فهناك العشرات غيره من باعة الكتب، إلى درجة أن بعضهم صار معروفاً بتوفير أحدث الكتب وأكثرها شهرة بأسعار متدنية عن اسعارها الأصلية. لكننا نتساءل: كيف نفسر تدني أسعار هذه الروايات وتلك الإصدارات الحديثة بينما هناك من يقوم بعرضها بأسعار مختلفة وقد تكون مرتفعة جدا؟ كيف نقتنع بهذا التفاوت الغريب رغم أنّ الكتاب صورة طبق الأصل وباسم دار النشر والمؤلف نفسه ؟
قد لا يصرح البائع بشيء عندما تسأله عن سبب عرضه لهذه الاصدارات بأسعار متدنية ، ويكتفي بالقول أنه لا يرغب بالربح الكثير منها كغيره. لكن لو دققت أكثر في الكتاب وحاولت المقارنة ستكتشف أنه نسخة مزورة عن الإصدار الأصلي، حيث تتميز بعض الاختيارات الداخلة في صناعته أو طباعته بجودة متدنية، مما يجعله أرخص سعرا. فضلا عن ان الجهات أو دور النشر التي تعيد طباعة هذه الكتب تكون غير ملزمة بحقوق المؤلف وكذلك تكاليف التصميم والتصويب اللغوي وغيرها الكثير من الالتزامات التي تضمن بعقد رسمي بين الناشر والمؤلف. هذا الأمر يذكرنا بحادثة وقعت بمعرض بغداد للكتاب عام 2017، إذ اضطرت الجهة المشرفة عليه إلى إبعاد أكثر من دار نشر محلية وعربية بسبب عرضها لكتب مزورة أو كما يطلق عليها تسمية – مضروبة – كما يقول المدير المنظم له وعضو اتحاد الناشرين الدوليين أحمد الراضي. إذ عرضت بعض الاعمال المترجمة لأدباء عالميين بعضها بنسخ مختلفة من ناحية التصميم وأخرى بذاتها. ربما لا يكتشف القارئ أن هذه النسخ مزورة ولكن قد يجد نفسه مدفوعا إلى شراء الأقل ثمناً، متغاضياً عن أية تفاصيل وقد تعتبرها رمزية وغير مهمة، نظراً لرغبتك الملحة في الحصول على الكتاب سواء كان أدبياً أو علمياً. لكن يقر بعض هؤلاء القراء أنهم وبعد اقتناء النسخ الأقل ثمناً من كتاب أو رواية عالمية مشهورة وحديثة فأنها لا تلبث أن تتفك اوراقها وتتساقط لانها طبعت بشكل رديء جدا.

وقد شاعت النسخ المزورة للكتب والتي تندرج ضمن مفهوم ” قرصنة  الكتب” في الآونة الاخيرة بصورة ملفتة للنظر بسبب كثرة المطابع ودور النشر غير الرسمية وقلة فرص العمل، فضلا عن ضعف القوانين التي تجرم الامور المتعلقة بالاستنساخ والتزوير. ويعتقد حسين صادق، ويعمل في بيع الكتب، أنّ :”قرصنة الكتب صارت من الأمور المعتادة بالنسبة لباعة الكتب والمكتبات،لأنها أرخص ثمناً من الأصلية”. ويضيف أن” القارئ والراغب بشراء الكتب يتفاعل ويفضل الأقل ثمناً حتى لو كانت مزورة أو مستنسخة أو مطروحة بطباعة سيئة”.  وفي المقابل، عانت الكثير من دور النشر الأصلية من الاستخفاف والسرقة والتجاوز على حقوقها من قبل مطابع غير رسمية. ويعترف البعض منهم أن لشبكة الانترنت الدور الكبير في سرقة أو قرصنة الكتب والإصدارات الحديثة. المفارقة الكبرى، أن بعض دور النشر الأصلية تتعمد الاتفاق سرياً وشبه خلسة مع مطابع غير مجازة رسمياً لفتح سوقً لتصدير وبيع كتبها بعد أن يتم استنساخها أو قرصنتها بموافقتها، وربما بمقابل مادي – نسبة ربحية- لغرض الشهرة والترويج لها أو للتفاعل مع الكتاب أو مؤلفه. 

العرض والطلب
إن موقف المطابع غير الرسمية أو دور النشر الاهلية التي تسارع إلى شراء نسخة من الكتاب حال صدوره  لتقوم باستنساخه وإعادة طبعه من جديد، ولكن بإمكانيات أقل من حيث الورق والحبر المستخدم. غير اخلاقي ويفتقر الى المهنية ،  فهي لا تنظر إلى الكتاب  بوصفه يتعلق بالثقافة أو العلم ويؤثر في تنشئة الاجيال وقد يغير من مسار الشارع الثقافي او يتم توظيفه عبر أيديولوجيات لا تخدم المجتمع.الكتاب بالنسبة للمقرصنين أو المستنسخين، مغلق، مهمته تمكن في العرض والطلب، وتفسيره أيضاً يتعلق بحركة السوق لا بحركة الثقافة والغاية من اقتناء هذا الكتاب أو ذاك. 

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *