كيف طور نظام الأسد الخط العربي وأدخل عليه فن (الخط الحلو)!!بقلم طريف اغا

كيف طور نظام الأسد الخط العربي وأدخل عليه فن (الخط الحلو)!!بقلم طريف اغا
آخر تحديث:

كيف طور نظام الأسد الخط العربي وأدخل عليه فن (الخط الحلو)!!

 

طريف يوسف آغــا 

طالما تفاخر العرب وفاخروا بلغتهم بين بقية الأمم والشعوب، لدرجة أنهم وضعوا لها فناً خاصاً وفريداً من نوعه بين بقية لغات العالم دعوه بفن (الخط العربي). فنشأ الخط الكوفي والأندلسي والرقعي والسلطاني والثلث والنسخ والكثير غيرها من المتعلق إما بمكان نشأته أو باسم واضعه. ثم ظهر بعد ذلك فن الرسم بواسطة الكلمات والأحرف بأشكال لها معاني تاريخية أو دينية أو وطنية أو غير ذلك لتضيف للخط العربي بعداً جمالياً له طابعه الخاص به. ولما وصل (الأسد الأب) إلى الحكم بانقلابه الشهير عام 1970، كان أيضاً في جعبته، بالاضافة لما كان، مشروعاً متكاملاً لتطوير الخط العربي، اشتهر فيما بعد باسم (الخط الحلو)، فتعالوا لنستعرض طبيعته.لما كان (الأسد الأب) قد استولى على الحكم بانقلاب عسكري، فهو مثله مثل بقية من يصلون بهذه الطريقة، تصبح الحالة الأمنية بالنسبة لهم هاجساً وكابوساً يمنعهم من النوم في الليل ومن التفكير السليم في النهار. ومازاد من هواجسه ومن كوابيسه أنه من أقلية طائفية ليس بينها وبين بقية  أطياف الشعب السوري (غرام مفقود) عبر التاريخ. وأخيراً وليس آخراً، كان يعرف أن الشعب السوري لم ينس بعد إهدائه (مرتفعات الجولان) لاسرائيل في حرب حزيران 1967 دون معركة حين كان وزيراً للدفاع، كما أن المهام التي كانت مطلوبة منه لتمكينه في الحكم والتي عليه تنفيذها في المستقبل القريب لم تكن تماماً بالمهام التي (ترفع الراس). وبالتالي ولكل ذلك كان عليه أن ينظر في كافة الاتجاهات قبل أن يخطو أي خطوة، فغالبية الشعب السوري بعد عدة سنوات من حكمه كان قد صار عدواً له، ناهيك عن شعوب الدول المجاورة. بالنسبة لرجل عادى شعبه والشعوب المجاورة، وحتى يتمكن من الاستمرار في الحكم، فكان لابد له من تحويل البلد إلى سجن كبير يستوعب الشعب بأكمله إذا اقتضى الأمر، وتحويل الحدود البرية إلى مايشبه الأسوار الحديدية والمطارات والموانئ إلى مراكز اعتقال مؤقتة يتم فرز الداخلين عبرها إلى المعتقلات الدائمة وماأكثرها.و حتى تنجح هذه السياسة في الحفاظ على أمنه وأمن نظامه المافيوي، كان لابد له من توظيف الآلاف المؤلفة من أبناء طائفته خاصة والتي نظرت إليه كاله أتى ليخلصها من بؤسها وفقرها وتخلفها الذي عانت منه لقرون. ولكن وللأسف ماقام الرجل بعمله هو أنه نقلها من تلك الحالة إلى حالة أسوأ أشبه بمن صدر في حقه حكم (الاعدام) مع وقف التنفيذ وهو في انتظار تحديد تاريخ التنفيذ.وقد قام بذلك بترك طائفته تغرق أكثر وأكثر في الفقر والتخلف، واستعملها كأدوات وكوقود لجهازه الأمني العملاق الذي كان عليه بنائه ليضمن قمع الشعب به. وهو لم يكتف بهذا، بل ورط أيضاً الآلاف المؤلفة من الأغلبية السنية وبقية الأقليات في سورية ليتعاونوا مع جهازه الأمني (العلوي بامتياز) ضد بعضهم البعض على مبدأ (فرق تسد). فصارت (التقارير الأمنية) تكتب بالناس صباح مساء وليل نهار وعلى مدار الساعة وبسبب وبدون سبب لتغذية الأفرع الأمنية التي صار عددها ربما يفوق حتى عدد المدارس والتي تدفع ثمن تلك التقارير لكاتبيها نقداً أو بالمناصب الوظيفية أو بهما معاً.وهكذا عاش السوريون لأكثر من أربعة عقود في ظل كابوس مايسمى (التقارير الأمنية) وأيضاً في عالم الرعب من أصحاب (الخط الحلو) الذين أرسلوا عشرات وربما مئات الآلاف من أبناء الشعب إلى السجون بتهم واهية لاتستند إلى دليل قانوني. تهم كان الكثير منها يعود لخلافات شخصية لاعلاقة لها بالسياسة لامن قريب ولا من بعيد، خلافات ربما حول وظيفة أو سيارة أو ربما فتاة. فصار من الشائع أن تسمع في الجامعة أو الوظيفة أو الحي تحذيرات من نوع (احذر فلاناً فهو من أصحاب الخط الحلو) أو أيضاً (احذر علتاناً فهو من ممتهني الخط الحلو). وكان من المألوف حين يختفي أحدهم وتسأل عنه أن يأتيك الجواب على شاكلة (واحد خطو حلو جاب أجلو) أو (الله يلعن كل مين خطو حلو) وهكذا. وقد وصل الحال بالسوريين أن الأخ بات يشك بأخيه والجار بجاره والصديق بصديق عمره أن يكون من هؤلاء أصحاب (الخط الحلو).والكل يعلم أنه في فترة أحداث الاخوان المسلمين في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات شهد فن (الخط الحلو) ازدهاراً وتطوراً لم يشهده من قبل. فصارت أجهزة الأمن تطلب من (كتبتها) وبالعلن موافاتها بالتقارير اليومية وحتى الساعية حول كل من يشكون بأمره، وترك تقدير جدية الموضوع أو تفاهته للأجهزة الأمنية نفسها بعد الاطلاع عليه والتحقيق مع الشخص المشكوك به. وقد عرفت شخصياً العديد من الأشخاص في الجامعة وكذلك في مجال الوظيفة من الذين اختفوا بسبب تقرير من إياهم. وقد كنت أنا نفسي واحداً من ضحايا هذه التقارير كتبه شخص من (الطائفة الكريمة) بسبب خلاف شخصي ووظيفي بحت حوله إلى سبب سياسي ووضعه بخطه (الحلو) في تقرير من كعب الدست. ولكن ولولا لطف الله وتدخل بعض أصحاب القرار والنوايا الحسنة في حينه لربما كنت اليوم في عداد المختفين، وسأقوم في المستقبل القريب بكتابة مقال عن تفاصيل هذه الحادثة. كما أن التاريخ يشير إلى أن الخط الكوفي والأندلسي سميا بذلك لنشوئهما هناك، وأن الخط الغزالي سمي كذلك نسبة للغزالي الذي اشتهر به، فسيذكر التاريخ أيضاً أن فن (الخط الحلو) قد تم وضعه من قبل (الأسد الأب) وتم تطويره وتحديثه في عهد (الأسد الابن)، وأيضاً أنه كان يعرف باسم آخر أكثر شهرة وهو (خط تقارير الموت).

 

 

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *