لتحذر إيران من غضبة العرب

لتحذر إيران من غضبة العرب
آخر تحديث:

 بقلم:حامد الكيلاني 

القوانين عادة وبشكل عام عندما يتم إقرارها فإن ذلك يعني أنها نتاج رغبة في إيقاف خروقات أو معالجة خلل حاصل أو لجم تغول ما أو لتنظيم فوضى؛ ما بعد إقرارها يصار إلى تنفيذها وتطبيقها والمحاسبة عند خرقها على قاعدة من المساواة والعدالة.

لكن هناك من السلطات من يتعامل بتهكم حتى مع القوانين الدولية لتكون الإجابة على سؤال “لماذا وضِعت القوانين” حاضرة باستمرار في أذهان الشعوب التي لا ترى في الأرض قانونا ولا عدلا، بل إن القوانين كما لو إنها شُرعت لتكون هذه السلطات فوقها والناس تحت خطها كمعاقبين على ذنوب لم يقترفوها.

تتعالى في أيامنا هذه أصوات وأقلام تحذر من حرب مع تنظيم الدولة الإسلامية الإيرانية وتعبر عن مخاوفها من اشتعال فتيلها ونتائجها ومخاطرها على منطقتنا وعلى العالم أيضا، وكأنها تقف ضد شن اعتداء غاشم على نظام مسالم كالنظام الإيراني بصفته دولة راعية للأمن والسلام، كما جاء في مفارقات التصريحات الإيرانية أثناء زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى طهران.

هذه الرؤية إلى علاقة إيران بالعرب وتحديدا منذ 1979 إنما هي عمى ألوان لا يميز بين قوانين عنصرية ملونة وفق مزاجات صادرات الثورة الإيرانية الموثقة في الدستور الإيراني وبوقائعها المرعبة والوحشية على الشعوب في إيران وبعدوانية يغذيها الثأر والانتقام على الأمة العربية.

أي مهزلة تصور لنا أن الحرب المحتملة ضد إيران هي عدوان على دولة ذات سيادة وعضو في الأمم المتحدة، وهؤلاء في دفاعهم عن أمن المنطقة ورغبتهم في السلام يرتدون خرقة القرصان على عين واحدة كي لا يبصروا أهوال ما جرى في العراق وسوريا واليمن، وكذلك لبنان، وما يراد بدول الخليج العربي، وما ينتظر العالم من نزوع فقه ولاية الإرهاب.

إيران احتلت العراق بعد هزيمة منكرة منيت بها في حرب الثماني سنوات، ومَن مِن الجنود في الجيش العراقي والذين كانوا في الأيام الأخيرة من الحرب على جبهة طولها تقريباً 1500 كم، لم يتعرف على الانهيار الواسع للقوات الإيرانية ونظامها السياسي. لكن ما هي أطماع العراقيين في احتلال إيران؟ الإجابة على هذا السؤال دليل دامغ عن دوافع الحرب، بل الحرب المستمرة منذ ذلك التاريخ وحتى الآن لتدمير العراق وتدمير العرب.

الولايات المتحدة الأميركية باحتلالها العراق في أبريل 2003 في الفترة الرئاسية لجورج دبليو بوش الابن كرد فعل اعتباري طائش على هجمات 11 سبتمبر 2001، أرادت استخدام الورقة الإيرانية بوجهة أخرى وهي تدري وعن يقين أنها ورقة “جوكر” على طاولة قمار الواقع السياسي والاجتماعي في العراق. فالحرب الإيرانية مع العراق كانت قريبة من الذاكرة الدولية هي وتداعياتها بما فيها دور المعارضة في التحشيد للاحتلال أو أرقام الخسائر البشرية والاقتصادية أو بتمرين القوات الأميركية على احتلاله في عام 1991 مع حلفائها وما تلاها من تعاون وتنسيق لإطلاق جرائم القتل والتخريب في المحافظات الجنوبية والمحافظات الشمالية وتخومها خاصة ما جرى في كركوك حينها.

لذلك كان النظام الإيراني بمثابة سوط للاحتلال الأميركي جلدت به كل القوى الرافضة للاحتلال، وأطلقت سراح الاستكلاب لنهش الشعب العراقي وأرغمته على دفع الفواتير لتلك الإهانة التي لحقت بإيران التي ستظل تلاحقها في عقدة نقص تحاول أن تداريها بالمراوغة في التسلح النووي أو بمزيد من إنتاج الصواريخ الباليستية، وهي تنويه لحرب بجبهات بعيدة ومواجهات غير حدودية، أي بحرب غير برية لا تستهدف احتلالها أو تغيير مرتكزات الدولة كما حصل في احتلال العراق.

ثمة غزل أميركي – إيراني حدث في أفغانستان أو العراق، وما جرى في السنوات الأولى لاحتلال العراق من تحرشات إيرانية على حدوده وتقدم قوات إيرانية لاحتلال آبار الفكة النفطية وتحاشي القوات الأميركية الرد عليها في مناطق أخرى كالشلامجة أو مجنون أو مندلي وغيرها من المدن الحدودية مع إيران؛ كلها رؤى لنوع العلاقة بين إيران وأميركا في رغبة التقارب، أو لأن أميركا حينها سلمت العراق والمنطقة بتعمد إلى آلة تدمير جهنمية رغم أنها على إطلاع بمنهج إيران الطائفي ونياتها في تكملة طريق صادراتها التبشيرية لفقهها الخاص الذي أصبح واقعا دمويا دفعت فيه دولنا الكثير من تاريخها وحاضرها وحتى مستقبلها.

الحرب إن وقعت مع إيران فهي متأخرة جدا، من بينها 16 عاما من غياب الاستراتيجية الأميركية، فأميركا تجاذبتها عزتها بنفسها كدولة عظمى تجرأت عليها مجموعة إرهابية، تبعتها أزمة اقتصادية عالمية، وحرب مكلفة جدا يراد لها استرداد قيمتها المادية والمعنوية مع انكشاف الدور الإيراني في دعم تنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية أو غيرها من العمليات الإرهابية وضمنها منصات التجارة خارج القوانين الدولية وغسيل الأموال وبيع المخدرات في علاقات شائكة زرعت الإرهاب في كل مكان، بغموض ومجسات عابرة للمفاهيم العلمية والمهنية لأجهزة المخابرات والأمن في أوروبا والعالم.

الاستراتيجية الأميركية تتبلور بما نعتقد على مشاعر من غياب الكاريزما في قيادة دولة مثل أميركا اختلطت عليها لعقود ردات فعلها الناضجة تجاه قضايا مركزية في السياسة الدولية. وبعد تهورها في احتلال العراق تهورت أكثر في انزوائها المخجل من تحمل تبعات الاحتلال وانسحبت في ظل أخطاء تخادمت فيها جهات مختلفة ذات أهداف متباينة، لكنها في النهاية وفرت للنظام الإيراني ومن قاتل معه من العراقيين في زمن الحرب الإيرانية العراقية ضد وطنهم الأم فرصة الاستحواذ على مقدرات العراق وزجه في تهلكة العملية السياسية ونظام المحاصصة التي جاء بها المحتل.

الاستراتيجية الأميركية تتبلور بما نعتقد على مشاعر من غياب الكاريزما في قيادة دولة مثل أميركا اختلطت عليها لعقود ردات فعلها الناضجة تجاه قضايا مركزية في السياسة الدولية

ميليشيات موزعة في كل أرض عربية بعلانية وصراحة ووقاحة، أو تحت ستار من تقية خلايا لها هدف وشعار واحد يضع الانتماء الطائفي فوق الوطن والمواطنة، وذلك قاعدة الأزمات أو أس البلاء في المشروع الإيراني.

الحرب مع إيران، حرب على الميليشيات، تدور على أرضنا العربية وبدماء عربية وبمعالجات لفك الارتباط مع الفتن الطائفية لإيقاف النزيف في الموارد البشرية والمادية وتحييد العقل العربي عن موبقات تهديم الحياة والأوطان ومن أجل تحقيق غايات وأوهام في عقل النظام الإيراني الذي تفترسه في أعماقه مخاوف ما ينتظره من تمزق في نظامه السياسي الذي سيعجل بنهاية عمره الاستبدادي.

النظام الإيراني، في جوهره، ليس داعما للإرهاب بل داعما لذاته، ومخطئ من يراهن على تراجعه هو أو أتباعه عن نهجهم إلا بزواله. سياسة الشك في إقدامه على محاولة استهداف الرئيس سعد الحريري ترجمها عمليا في تنفيذ عملية اغتيال رئيس حركة النضال العربي لتحرير الأحواز المعارض الأحوازي أحمد مولى نجدي في مدينة لاهاي الهولندية، أما سياسة إبداء القلق في ألمانيا وفرنسا وإنكلترا والمفوضية الأوروبية من الصواريخ الباليستية ومحاولة فصل هذا القلق عن الاتفاق النووي الذي تلوح بإلغائه إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب أو فرض مزيد من العقوبات، فهي إطالة لأمد الحرب الإيرانية على العرب التي دمرت العراق وسوريا واليمن، وتجتهد في لبنان وتسعى في البحرين والكويت وتؤكد وجودها في العالم بتنفيذها عمليا إطلاق العديد من الصواريخ على المملكة العربية السعودية، ولن يكون آخرها نحو الرياض بل إنها تستهدف أي مدينة أو عاصمة لا تخضع للمشروع الإيراني.

مخاوف بعضهم من حرب قادمة في المنطقة مع إيران، كان أولى بها وبهم أن يتوجهوا للدفاع عن كرامة أهلهم المستباحة في المدن العربية وأن يتداركوا برجولة وبطولة نخوة الانتماء للعروبة والإنسانية للوقوف إلى جانب قضايا أمتهم في مرحلة فاصلة ومصيرية.

الخوف من مجابهة العرب لإيران هو طمس وتزوير لحقيقة ضعف أو تواطؤ، أو لأن هؤلاء على الرغم من قسوة وبربرية ما مر بنا جميعاً بسبب اختلال عقل النظام الإيراني، توهموا أنهـم أحرار في الفرجة على مصـائب أمتنـا والتعليق عليها في فضاء بالمجان. لا حرية دون ثمن أو قتال. أوطاننا وأمتنا ترفع الصوت والسوط هذه المرة بشجاعة وبسالة بوجه الإرهاب الإيراني.

 

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *