ليندا.. قصيدة حب رائدة كتبت منذ 46 عاما ولم تنشر

ليندا.. قصيدة حب رائدة كتبت منذ 46 عاما ولم تنشر
آخر تحديث:

سعد صاحب

«ليندا» من القصائد الراكزة التي تناولت موضوع الحب, كتبها الشاعر الراحل جودت التميمي, مطلع السبعينيات، عن نادلة في مقهى بشارع الرشيد, تفاجأ بجمال وجهها الطفولي الساحر، وهي تربكه بقولها: «أستاذ ماذا تطلب»؟ مجيبا: «لا اشرب شيئا؛ اريد ان اكتب عنك قصيدة اذا توافقين»؟ وهو يحدق بالقميص الابيض وبنطالها (الكابوي) ومنديلها الاحمر الملفوف حول عنق بض مضيء. معروف برهافة الاحساس, والقلب سريع الذوبان, والاستجابة لكل من تطارحه الهوى, عاش دهرا طويلا في اتون العواطف الملتهبة, وكلما يكبو في تجربة غرامية, يقسم الاّ يعاود العشق والشكوى والحنين, لكنه ينسى العهود التي قطعها على نفسه, ويتبع الجمال الى آخر البقاع البعيدة, ماضيا لا يهمه المصير الذي يؤول اليه, جراء الهيام المجنون الذي ناداه, في الوهم او الخيال او الحقيقة, او من وراء البحار والسهول والجبال والحصون والابواب, انه يحب ويحب ويحب, ربما يجرح او يعاني طويلا, ويظمأ ويتشرد ويجوع ويضيع في الشوارع, ويموت قتيل النزوة العابرة, بسهم طائش من العيون الكحيلة, يرتضي العذاب بقلب فجيع مدمى, ولا يرتضي البقاء وحيدا بلا قمر يغازله, وهكذا استطاع اغواء تلك المرأة بعد توسلات وتضرعات, اوقعها في شباك حبّه الواهنة, المنسوجة من خيوط العنكبوت, والانثى لا يتضح حسنها, ولا تشرق ملامحها مالم تفتح بابها للحب.. والرجل مهووس بالمشاعر والمواعيد وكتابة الرسائل, أسير لا يكره آسره, ولا يشكو قيودا ادمت معصميه. تاه في سحر العيون القاتلة, واستسلم الفؤاد الذي تعب من حروب, الود والشغف والدلال والغنج والاثارة, وما اكثر الجراح التي المت به من المغامرات الفاشلة, يطمح الآن بعد كل الخسارات والسبي والخذلان, ان يستريح على صدر رحيب, ولو ساعة واحدة قبل الممات. في مقطع يقدم اعتذاره, عن جرأته بالصراحة, في حضرة المحبوب الوسيم, يقترفان شيئا لا يستطيع ان يقاومه, او ينتصر عليه, دعاه الى هذا التطاول والافصاح والاجهار, والوصف المحكم والتشبيب بالمفاتن, ورفع لواء الثورة الجمالية, ضد القبح والخوف والممنوع والخطوط الحمراء والتراجع. يعلن عن فوات الاوان, ووصول القطار الى محطة النهاية الاخيرة, وامتلاء الرأس بنديف الثلج الابيض, الذي يعني التوازن والسداد والحشمة, والابتعاد عن الهوى والمغريات ونزوات الشباب الجامحة, لكن الروح تبقى خضراء رقيقة الى آخر الزمان, والقلب امام هذا الصرح العظيم, من البناء والزخارف والخطوط والقباب المذهبة والاضواء, فقد التماسك والقوة, وانهار مثل تمثال من الثلج, تعرض الى الصهر والنار الشديدة والحرارة. نظرة لا تقبل التأجيل, هذا اوان الانطلاق في عالم الامنيات المخملي, واي شاعر في الوجود, يرفض ليلة حمراء عامرة بالغزل, والرقة والشاعرية والانسجام واللذة والمباهج والافراح, لا شيء سوى زغاريد الاجساد السعيدة, واحاديث القلوب المضطربة, وكلام العيون وهمس الشفاه والناعمة, هنا موعد للهو بين افياء الغابات الجميلة, وعاشق هناك يطارد معشوقته الهائمة, بين الاشجار والينابيع والفراديس والرياض, لا مشتكى من طول الفراق, ولا لوعة من جحود الحبيب, ولا دلالة واحدة تشير الى ظلم المحبين لبعضهم بالتنكر الى الوجد والمواقف والاسرار المشتركة ونسيان الذكريات, لحظات هانئة تمر مر السحاب, ثم تختفي شمس النهار المشرقة, خلف الغيوم المعتمة الى الابد. لا يتوانى الشاعر عن اعلان, حاجته الملحة الى المرأة المشتعلة بالرغائب, تلك التي تفيض عذوبة, وفي لحظة الاتحاد الكبرى يتلاشى الزمان, ويرتوي العطشان من ماء فرات سلسبيل, حيث المسك والحرير والبخور والزعفران, تبعث النشوة في جسد محروم. الذروة الشعرية تأتي في النهاية, اذ تعود اليه الفتاة ثانية, ويبقى موزعا ما بين رغبة المشتهى, للعناقيد الناضجة المتدلية من الغصون, او احتساء الشاي الذي لا يطفئ اللهيب. شعريا القصيدة سردية تضج بالغناء الحزين, ايقاعها منبثق من جو القصيدة العام, صورها تعبر عما يدور في خلد الانسان, من الهم والسعادة والانكسارات والمشاعر المتدفقة, والتوهج ورقة الاحاسيس والغبطة والاشواق والبهجة والرهافة, مفرداتها سلسة واسلوبها شفاف, وقوافيها خالية من الكلمات الثقيلة على الاذن, وما اجمل التصوير المدهش, والخيال النافر, والمعنى الجديد المنساب بطراوة نادرة.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *